وتقول: ضربت زيداً فيكون المعنى في نفسه الذي هو مفعول به قد وصل إليه التأثير من المعنى الذي هو فاعل، كما وصل تأثير أحدهما إلى الآخر من طريق اللفظ المعبر به عنهما. وليس هذا قادحاً فيما قدمنا؛ لأن غرضنا من ذلك كله أن نعلم حكم الألفاظ وكيف نوقعها على المعاني ونعبر بها عنها. وقد يؤثر الفاعل في نفسه، وإن كان قصده التأثير في غيره؛ فإن (زيداً) ربما ضرب عمراً فألمت يده، وربما أراد أن يرميه بسهم فعاد سهمه عليه فقلته، وقد يؤثر المفعول في الفاعل في وقت تأثير الفاعل فيه. وليس مراد النحويين في هذه المسألة شيئاً من هذين الوجهين الأخيرين، وإنما مرادهم ما قدمناه، وإنما ذكرنا هذا ليتم القول في هذا المعنى لا لنجيز جميع هذه الوجوه في المسألة التي سأل عنها، فاعلم ذلك.
(فصل)
وأما سؤالك عن الفاعل من قولنا: ضرب زيد عمراً، أيرتفع باختراعه للفعل أم بإسناد الحديث إليه؟ فكلا القولين قد قاله النحويون. والصحيح عندنا القول الثاني، وهو أن الفاعل إنما يرفعه إسناد الحديث إليه على نحو ما يرتفع المبتدأ؛ فإنهما في الارتفاع بإسنادك الحديث إليهما سواء، إن كانا يفترقا في أن عامل المبتدأ معنوي وعامل الفعل لفظي، وأن حديث الفاعل المسند إليه متقدم عليه، وغير ذلك مما ينفصلان به، وهذا رأي أبي علي الفسوي ونظيره ممن تعقب كلام النحويين وحرره. ومما يدل على ذلك قولنا: مات زيد ومرض عمرو، ولم يقم أخوك، وتسمية كل واحد من هذه الأسماء فاعلاً في صناعة النحو، ولم يفعل واحد منهم شيئاً في الحقيقة. ويدلك على ذلك حذفك الفاعل وإقامتك المفعول// مقامه في قولك: ضرب