أن للحي به الفضل هي اللذة وليس بالميت إليها حاجة ولا له إليها نزوع ولا عليه في أن لا ينالها أذىً كما ذاك للحي، فليس للحي عليه فضل فيها لأن التفاضل إنما يكون بين المحتاجين إلى شيءٍ ما إذا كان لأحدهما فضل مع قيام الحاجة إليه، فأما أن يكون المحتاج على غنى فلا. وإذا كان ذلك كذلك فقد رجع الأمر إلى أن حالة الموت أصلح. فإن قال إن هذه المعاني ليس ينبغي أن تقال على الميت لأنها ليست له بموجودة، قيل له: إنا لم نقل عليه هذه المعاني على أنها قائمة موجودة له بل إنما نضعها متوهمة متصورة لنقيس شيئاً على شيء ونعتبر شيئاً بشيء. وهذا باب متى منعته كنت منقطعاً في قوانين البرهان، وهو باب من الانقطاع معروف عند أهل البرهان يسمونه غلق الكلام. وذلك أن صاحبه يغلق الكلام أبداً ويهرب منه ولا يساعد عليه خوف من أن يتوجه عليه الحكم. فإذا لجأ إلى التكرار واللجلجة فليس له بعد هذا ألا هذا أعلم إن حكم العقل في أن حالة الموت أصلح من حالة الحياة على حسب اعتقاده في النفس، وقد يوجد أنه مقيم على إتباع الهوى فيه. فإن الفصل بين الرأي الهوائي والعقلي هو أن الرأي الهوائي يُجتبى ويؤثر ويتبع ويتمسك به لا بحجة بينة ولا بعذر واضح وإنما يكون عن ضرب من الميل إلى ذلك الرأي والموافقة والحب له في النفس وأما الرأي العقلي فإنه يجتبى بحجة بينه وعذرٍ واضح وإن كانت النفس كارهة له ومنحرفة عنه. وأيضا فما هذه اللذة المرغوب فيها المتنافس عليها، وهل هي في الحقيقة إلا راحة من المؤلم على ما قد بينا؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015