نَقُلْ بنسق قولكم في الطبيعة فتكون له لا لها. ويقال لهم إن كانت حركة الأشياء وسكونها بطبيعة واحدة كحركة الحجر وسكونه ونمو الإنسان ووقوفه فقد صارت الواحدة توجب شيئين متضادين وهذا محال. وإن قالوا إن تحرُّك الأشياء بقوة أخرى، قيل فيجب أن تكون هذه الحركة قد بطلت من الساكن، وإذا جاز أن تبطل جاز أن تبطل أيضا قوة السكون وجاز أن تبطل الطبيعة من الأشياء. وإذا جاز أن يتحرك الحجر ويسكن بقوتين فما أنكرتم أن تبرد النار وتسخن بقوتين تردان عليها؟. فإن قالوا إنّ قوةً في الأرض بها تحركت نحو المركز لم تكن أولى بذلك من النار، قيل لهم فانفصلوا ممن زعم أنه لولا أن قوةً في جرم الأرض بها قبلت القوة التي فيها جاز أن تحلها القوة الذاهبة بالنار عن المركز وقد أدخل يحيى النحوي على نفسه في حد الطبيعة إدخالات وأجاب عنها جواباً فاسدا وهو أنه لما زعم أن الطبيعة ابتداءُ حركةٍ والفلك متحرك وليس بساكن فزعم أن جملة الفلك ساكنة لأنه لا يتغير عن حركته وأنه لا يتنقل عن جملة موضعه. يقال له فقد صار الفلك متحركا وهذا محال، فإن لم يكن قول القائل إن جسما واحدا أسود أبيض في حال محال. ويقال له إذا كانت أجزاء الفلك كلها دائمة الحركة والكل ليس غير الأجزاء فالفلك متحرك غير ساكن. وكذلك السؤال عليه في قوله إن الأجرام السماوية في نهاياتها فلذلك هي ساكنة، وليس في عودتها إلى نهاياتها مع دوام حركاتها ما يدل على سكونها، ولو كانت واقفةً في نهاياتها لجاز هذا القول فأما زعمهم أن الطبيعة جوهر إلا أنها غير قائمة بنفسها، فيقال لهم لِمَ لا زعمتم أن الأعراض جواهر وهي لا تقوم بأنفسها؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015