تركها فإنّ المدمنين لغشيان النساء وشرب الخمور والسماع - على أنها من أقوى الشهوات وأوكدها غرزاً في الطباع - لا يلتذونها التذاذَ غير المدمنين لها لأنها تصير عندهم بمنزلة حالةٍ عنده، أعني المألوفة المعتادة، ولا يتهيّأ لهم الإقلاع عنها لأنها قد صارَت عندهم بمنزلة الشيء الاضطراري في العيش لا بمنزلة ما هو فضل وتترُّفٌ. ويدخل عليهم من أجلها التقصير في دينهم ودنياهم حتى يُضطرّوا إلى استعمال صنوف الحِيَل واكتساب الأموال بالتغرير بالنفس وطرحها في المهالك، فإذا هم شقوا من حيث قدّروا السعادة واغتنّموا من حيث قدّروا الفرح وألموا من حيث قدروا اللذّة. وما أشبههم في هذا الموضع بالحاطب على نفسه الساعي في هلاكها، كالحيوان المخدوعة بما يُنصب لها في مصايدها، حتى إذا حصلت في المصيدة لم تنل ما خُدعت به ولا أطاقت التخلُّص ممّا وقعت فيه. وهذا المقدار من الشهوات مُقنع، وهو أن يُطلَق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015