والنوع الثانى من الشرك: الشرك به تعالى في الربوبية كشرك من جعل معه خالقا آخر، كالمجوس وغيرهم الذين يقولون بأن للعالم ربين: أحدهما خالق الخير ويقولون له بلسان الفارسية: «يزدان» ، والآخر خالق الشر ويقول له المجوس بلسانهم: «أهرمن» ، وكالفلاسفة ومن تبعهم الذين يقولون بأنه لم يصدر عنه إلا واحد بسيط وأن مصدر المخلوقات كلها عن العقول والنفوس، وأن مصدر هذا العالم عن العقل الفعال فهو رب كل ما تحته ومدبره، وهذا شر من شرك عباد الأصنام والمجوس والنصارى، وهو أخبث شرك في العالم؛ إذ يتضمن من التعطيل وجحد الإلهية والربوبية واستناد الخلق إلى غيره سبحانه وتعالى ما لم يتضمنه شرك أمة من الأمم.
وشرك القدرية مختصر من هذا، وباب يدخل منه إليه؛ ولهذا شبههم الصحابة- رضى الله عنهم- بالمجوس كما ثبت عن ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم.
وقد روى أهل السنن فيهم ذلك مرفوعا «أنهم مجوس هذه الأمة» «1» وكثيرا ما يجتمع الشركان في العبد وينفرد أحدهما عن الآخر. والقرآن الكريم، بل الكتب المنزلة من عند الله تعالى كلها مصرحة بالرد على أهل هذا الإشراك كقوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ
فإنه ينفى شرك المحبة والإلهية. وقوله: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
فإنه ينفى شرك الخلق والربوبية، فتضمنت هذه الآية تجريد التوحيد لرب العالمين في العبادة وأنه لا يجوز إشراك غيره معه لا في الألفاظ ولا في الإرادات، فالشرك به فى الأفعال كالسجود لغيره سبحانه وتعالى، والطواف بغير بيته المحرم، وحلق