وترك شكاية الخلق «1» وترك لومهم والرضا عن الله والتسليم لحكمه.
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الربوبية منه تعالى لعباده، والتأله من عباده له سبحانه، كما أن الرحمة هى الوصلة بينهم وبينه- عز وجل- واعلم أن أنفس الأعمال وأجلها قدرا توحيد الله تعالى، غير أن التوحيد له قشران:
الأول: أن تقول بلسانك: لا إله إلا الله، ويسمى هذا القول توحيدا، وهو مناقض للتثليث الذى تعتقده النصارى، وهذا التوحيد يصدر أيضا من المنافق الذى يخالف سره جهره.
والقشر الثانى: ألا يكون في القلب مخالفة ولا إنكار لمفهوم هذا القول، بل يشتمل القلب على اعتقاد ذلك والتصديق به، وهذا توحيد عامة الناس.
ولباب التوحيد أن يرى الأمور كلها من الله تعالى ثم يقطع الالتفات عن الوسائط وأن يعبده سبحانه عبادة يقرّه بها، ولا يعبد غيره. ويخرج عن هذا التوحيد اتباع الهوى، فكل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده، قال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ
«2» وإذا تأملت عرفت أنّ عابد الصنم لم يعبده، إنما عبد هواه، وهو ميل نفسه إلى دين آبائه، فيتبع ذلك الميل، وميل النفس إلى المألوفات أحد المعانى التى يعبّر عنها بالهوى.
ويخرج عن هذا التوحيد السخط على الخلق والالتفات إليهم، فإن من يرى الكل من الله كيف يسخط على غيره أو يأمل سواه، وهذا التوحيد مقام الصديقين.
ولا ريب أنّ توحيد الربوبية لم ينكره المشركون، بل أقروا بأنه سبحانه وحده خالقهم، وخالق السموات والأرض، والقائم بمصالح العالم كله «3» ، وإنما أنكروا