على رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمسلمين، والقيام بما تعاهدوا عليه، فقال أولئك النفر من بنى عبد المطلب: إن أولى بالكذب غيرنا، فكيف ترون وإنا نعلم أن الذى اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت «1» والسحر من أمرنا، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم وهى في أيديكم طمس الله ما فيها من اسم له، وما كان من بقى تركه أفنحن السحرة أم أنتم، فقال النفر من بنى عبد مناف وبنى قصى ورجال من قريش، ولدتهم نساء من بنى هاشم، منهم: أبو البخترى، ومطعم بن عدى، وزهير بن أمية بن المغيرة بن زمعة بن الأسود، وهشام بن عمرو، وكانت الصحيفة عنده وفي رجال من أشرافهم ووجوههم: نحن براء مما في هذه الصحيفة. فقال أبو جهل: هذا أمر قضى بليل.
قال موسى بن عقبة: ولما أفسد الله صحيفة مكرهم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورهطه فعاشوا وخالطوا الناس «2» .
فانظر- رحمك الله- كيف لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم القرابة في النسب وحدها قرابة معتبرة في أحكام الله عز وجل ما لم تقترن بها القرابة الدينية، فإنه كما قد رأينا أخرج بنى أمية من ذى القربى مع كونهم بنى أبيه عبد مناف بن قصى لما كان من عداوتهم له في دين الله تعالى وتكذيبهم لما جاء به من النبوة والرسالة، وكيف جعل بنى المطلب بن عبد مناف من ذى القربى؛ لأجل مسالمتهم له في الجاهلية وتسرعهم إلى مناصرته ومؤازرته وموالاته ومعاضدته، قال الأعشى:
لا تطلبن الرد من متباعد ... ولا تنامن ذى بغضة إن يقرب
فإن القريب من يقرب نفسه ... لعمر أبيك لا من تنسب
فإذا أقرب الوسائل المودة وأبعد النسب العقوق، وقد قال تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
«3» فقاربت ولاية الإسلام بين الغرباء، وتأمل ذلك يظهر لك منه إحداهما:
أن القرابة بقرابة الدين لا بقرابة الطين، والثانية: أن مجرد القرابة ليس بشىء، وقد قيل: أقرب الوسائل المودة وأبعد النسب البغضة، قال القائل: