الصلحاء أربعمائة شيخ، كل شيخ منهم له عكاز وتحت يده من الفقراء السالكين عدد عظيم فاستحر القتل في المسلمين حتى هلك أكثرهم وانكسر من بقى، ومر سعد الدين على وجهه وأمحرة في أثره تتبعه حتى التجأ إلى جزيرة زيلع في وسط البحر فحصروه بها ومنعوه الماء إلى أن دلّهم [عليه] «1» من لا يتقى الله على الوصول إليه، فلما وصلوا إليه قاتلهم فأصيب في جبهته بعد فقده الماء ثلاثة أيام، فخر إلى الأرض فطعنوه فمات- رحمه الله- وهو يتشهد ويضحك وذلك في سنة خمس وثمانمائة، وقد ملك نحوا من ثلاثين سنة، وكان رجلا صالحا.
وفي أيامه مات جده على بن صبر الدين في سجن الحطى بعد ما أقام مسجونا نحو الثلاثين سنة، ولما قتل سعد الدين ضعف المسلمون بموته واستولى الحطى وقوم أمحرة على البلاد وسكنوها وبنوا بها الكنائس، وخرّبوا المساجد وأوقعوا بالمسلمين وقائع نزل فيها من القتل والأسر والسبى والاسترقاق ما لا يمكن التعبير عنه مدة عشرين سنة، وكان أولاد سعد الدين قد فروا إلى بلاد العرب، وهم عشرة، أكبرهم صبر الدين على، فأكرمهم الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل ملك اليمن وأنزلهم ثم جهزّهم وقاد لهم ستة أفراس فخرجوا إلى موضع يسمى:
يسارة، حتى فتح الله عليهم ولحق بهم عساكر أبيهم، فقام بأمرهم صبر الدين على وزحف لقتال أمحرة في سبعة من الفرسان سوى المشاة وقاتل في موضع يقال له:
ذكر أمحرة وهم في ثمانين فارسا فهزمهم واستولى على ذلك الموضع، وسار إلى سرجان وقاتل من هناك وكسرهم وحرق كنائسهم وبيوتهم، وغنم من الذهب وغيره ما لا يحصى، وما زال ينتصر على أمحرة حتى جمعوا له وصاروا في عشرة أمراء تحت يد كل أمير زيادة على عشرين ألفا ومقدمهم يقال له: «بخت بقل» ملّكه بلاد المسلمين وأقاموا بها سنة، وصبر الدين بمن معه فارس من بلد إلى بلد، وبهم من الجوع والعطش والتعب ما لا يوصف، ثم أيّده الله وقوّاه حتى جرّد أخاه محمدا ومعه حرب جوش وغيره من الأعيان في عشرين فرسا إلى بلد يقال لها:
رطوا، فقاتلوا أمحرة قتالا عظيما، قتل فيه مقدّمهم في عدة من أمراء الحطى.
وقتل من عسكرهم ما لا يحصى وهزموا بقاياهم وغنموا غنائم كثيرة وملكوا البلد زمانا، ثم صار صبر الدين بنفسه وطلع إلى بيت الملك وقاتل أمحرة وقتل أميرا