رسائل المقريزي (صفحة 204)

ثم مضى إلى المدينة المنورة ووقف تجاه قبر جده المصطفى صلى الله عليه وسلّم وشكا ما به وبكى ودعا الله تعالى ثم انصرف، وبات تلك الليلة فرأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد مسح بيده المقدسة على عينه فانتبه، وقد رد الله عليه بصره فاشتهر خبره عند أهل المدينة وأقام عندهم مدة ثم عاد إلى القاهرة، فبلغ السلطان الملك الأشرف برسباى قدومه وأنه يبصر فقبض عليه وطلب المزينين اللذين أكحلاه وضربهما ضربا مبرحا فأقاما عنده بيّنة يرتضيها من أتباعه بأنهم شاهدوا الميل وقد أحمى بالنار ثم كحل به سرواح فسالت حدقتاه بحضورهم، فعند ذلك كف عن قتلهما؛ لأنه ظن أنهما تمالأا على عدم إكحاله، وكذلك أخبر أهل المدينة النبوية أنهم شاهدوا سرواح وهو ذاهب الحدقتين ثم إنه أصبح عندهم وقد أبصر بعد عماه وقص عليهم رؤياه، فأفرج عن سرواح وأقام حتى مات بالطاعون في آخر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة شهيدا غريبا مقلا.

وحدثنى الرئيس شمس الدين محمد بن عبد الله العمرى قال: سرت يوما في خدمة القاضى جمال الدين محمود العجمى محتسب القاهرة من منزله حتى جاء إلى بيت الشريف عبد الرحمن الطباطبى المؤذن ومعه نوابه وأتباعه، فاستأذن عليه فخرج من منزله وعظم عليه مجىء المحتسب إليه وأدخله إلى منزله فدخلنا معه وجلسنا بين يديه على مراتبنا فلما اطمأن به الجلوس قال للشريف: يا سيد حاللنى قال: ألم أحاللك يا مولانا؟ قال: لما صعدت البارحة إلى القلعة وجلست بين يدى مولانا السلطان- يعنى الظاهر برقوق- فجئت أنت وجلست فوقى في المجلس فقلت في نفسى: كيف يجلس هذا فوقى بحضرة السلطان؟ ثم لما قمنا وكان الليل ونمت رأيت في نومى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: يا محمود، تأنف أن تجلس تحت ولدى؟ فبكى عند ذلك الشريف عبد الرحمن وقال: يا مولانا، ومن أنا حتى يذكرنى رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فبكى الجماعة وسألوه الدعاء وانصرفنا، والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

تتبعه مؤلفه أحمد بن على المقريزى وذلك في ذى القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015