العجز عن الثأر بالقوة الحربية إلا المكايد السرية، فتولى مهرة رجال الفرس أمرها وكانوا أجدر بها وأهلها، فمنهم من تولى السعي لإفساد دين العرب الذي انتصروا بتعاليمه وجمعه لكلمتهم على الفرس وغيرهم، ومنهم من تولى السعي للإفساد السياسي بتحويل الخلافة إلى العلويين، ولما لم يجدوا منهم لزهدهم في الدنيا من يواتيهم على كل عمل ولو غير مشروع في الدين حولوها إلى العباسيين، ثم صاروا يكيدون للعباسيين بما كان أغرب طرقهم فيه ما قام به البرامكة من جعل جميع إدارة ملك الرشيد الواسع وسياستهم في أيديهم، حتى تنبَّه لذلك فبطش بطشته الكبرى بهم، وكانوا قد ملكوا عليه سويداء قلبه، مع قبضهم على أزمة ملكه. (?)
وكان أذكى من فطن لدسائس البرامكة وإلحاد الشيعة الباطنية ووقف على كثير من دقائقه العلامة المحقق القاضي أبو بكر بن العربي الأندلسي كما نوَّه به في رحلته وفي كتاب العواصم والقواصم، ويليه حكيم الإسلام ابن خلدون فقد أشار إليه في مقدمة تاريخه.