والشبيبة، وبها تكون القوة الذاكرة والحافظة في منتهى النمو والنشاط والاستعداد لتلقي العلوم والمعارف.

وما سمعنا بمن طلب العلم عند بلوغ هذا السن - أعني تسعًا وعشرين سنة - وبرع فيه، وإن كان ثمة أحد فهو من شواذ الطبيعة، ومنكر ذلك مكابر وحائد عن طريق الإنصاف.

خصوصًا في الصدر الأول أعني زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فقد كان الاعتماد على الحفظ والذاكرة، ولم تكن يومئذ المعلومات تُدوَّن ليؤمَن تفلتها وضياعها، فكان أعلمهم أكثرهم حفظًا وأقواهم ذاكرة، ولولا حرص التابعين على حفظ الحديث وتدوينه لما وصل إلينا من علمهم شيء.

ولقد كنت زمن شبيبتي أتعجب من كل من يقول: نسيت، فإني لم أكن لأنسى شيئًا سمعته أو قرأته، وبعد بلوغي الثلاثين انقلب الأمر وأصبحت أعجب ممن يحفظ ولا ينسى، ولم يبق في ذاكرتي غير ما استُودع بها زمن الصبا والشبيبة، وما شكوت هذا الداء لأحد من أبناء جيلي إلا وشكا لي نفس ذلك الداء الذي أشتكيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015