متسعة من صنع يد الإنسان فأزمعنا على الدخول فأبى من أبى، وتجلد أغلبنا، ولبس كل منا عباءة من الجلد استأجرناها من فتية تأوي إلى ذلك الكهف، ودخلنا نتبع الدليل فإذا بها طويلة يبلغ ارتفاعها نحو ثلاثة أمتار، وعرضها متران مستورة أرضها بالأخشاب لإمكان السير عليها، فتلونا بها آيات العجب والاستغراب، وخرجنا نمتع الطرف بتلكم المناظر التي هي آيات على قدرة الخالق جلَّ شأنه وعزَّ سلطانه، فتبارك الله أحسن الخالقين:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد
ثم أخذنا في الأوبة على طريق أخرى، ومررنا بها على أناس ينفخون في الأبواق إظهاراً لظاهرة الصدى في منعطفات الجبا، ل يستمنحون بذلك عطايا المارين السياحين، حتى وصلنا إلى جرندل فالد وقد تصَوَّبت الشمس إلى الغروب، فركبنا العربات قاصدين العودة إلى بلدة انترلكن. وريثما انحدرت بنا إذا بالسماء قد أبرقت، وأرسلت سحائبها وهَمَلت، والريح تعبث بالأغصان، وقد انحدرت حولنا الغدران، وهوى ماؤها فتكسر، وجرى سائلاً عن المخبر.
وتحدَّثَ الماءُ مع الحصى ... فجرى النسيمُ عليه يسمع ما جرى
فكأن فوق الماء وشياً ظاهراً ... وكأن تحت الماء سِراً مُضْمَرا