الكندي: " فنقول إنه ليس ممكناً أن يكون الشيء علة كون ذاته.... لأنه لا يخلو من أن يكون أيسا وذاته ليس أو يكون ليساً وذاته أيس " (?) وقد وضع ابن حزم بدل لفظي " أيس وليس " كلمتي موجود ومعدوم فقال: " إما أن يكون أحدث ذاته وهو موجود وهي معدومة أو أحدث ذاته وهو معدوم وذاته موجودة أو أحدثها وكلاهما موجود أو أحدثهما وكلاهما معدوم " (?) .
فإذا استأنسنا التشابه بصور التشابه بين آراء الكندي وابن حزم لم نستبعد أن يكون ابن حزم قد اطلع على رسائل الكندي فأخذ من أفكاره ما وافق مبادئه وأنكر عليه ما أنكره في هذا الكتاب.
ومن المرجحات التي تقوي نسبة الكتاب إليه أن الفكرة الأساسية في كتابه توافق الرأي الأساسي لابن حزم في مسألة أسماء الله تعالى، ومدار الرد على الكندي أنه لا يجوز لنا أن نسمي الله (علة) لسببين عقلي ونقلي. أما العقلي فهو أن العلة تفترض المعلول ولا تنفك عنه، كما أن المعلول يفترض العلة ولا ينفك عنها. فالعلاقة بين العلة والمعلول علاقة إضافة. وقد أخطأ الكندي حين نفى الإضافة أولا عن الله ثم عاد يسميه علة، " فالمعلول نوع لعلته والعلة أصل لمعلولها " ولا يمكن من هذا التأليف أن يوجد التضامن القائم بينهما، إذن فإن التضامن من محرك غيرهما ليس مثلهما لا محالة، والله هو مبدع العلل وليس له مثل، وليس هو لشيء علة، إذ العلة في العقول الصحيحة هي السبب المطبوع لكون المسبب لا محالة، فالأول جل وعز لا سبب لأنه هو محدث الأسباب.
وأما السبب النقلي فلم يقف عنده المؤلف في هذا الكتاب ولكنه ملموح من كلامه، وهو أن لفظ العلة لا يسمى به الله لأنه لا يجوز لنا أن نطلق عليه اسماً غير وارد نصاً في الأسماء التسعة والتسعين، وهذا ما وقف عنده ابن حزم في كتاب الفصل في مواطن متفرقة وكرره دون ملل فقال مثلاً: " فمن وصف الله تعالى بصفة يوصف بها شيء من خلقه أو سماه باسم يسمى به شيء من خلقه استدلالاً على ذلك بما وجد في خلقه فقد شبهه تعالى بخلقه وألحد في أسمائه وافترى الكذب، ولا يجوز أن يسمى الله تعالى ولا أن يخبر عنه إلا بما سمى به نفسه أو أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله