رسائل ابن حزم (صفحة 942)

الإحصاء يكونان نتيجة عن العلوم وهما علم البلاغة وعلم العبارة.

ولا يخضع ابن حزم لواقع التأليف كما خضع مفكرو المشرق فعدو في العلوم أموراً لا ينطبق عليها اسم العلم مثل الطلسمات والكيمياء (بمعنى تحويل المعادن إلى ذهب) والسحر والشعوذة، لا لأن هذه الأشياء قد تتعارض مع بعض معتقده الديني، وإنما لأنها كانت علوماً عند ناس ثم درس رسمها " فمن ذلك علم السحر وعلم الطلسمات، فإن بقاياها ظاهرة لائحة، وقد طمس معرفة علمها " (?) ، أي أن ابن حزم يرى أسسها ووسائلها قد خفيت ولا سبيل إلى استعادتها، ومن قبيل هذين العلمين الموسيقى وقد يبدو هذا مستغرباً لأول وهلة، ولكن الذي يعنيه ابن حزم هو الموسيقى التي يحكمون أنها كانت تشجع الجبناء وتسخي البخلاء وتؤلف بين النفوس ثلاثة أنواع من الموسيقى لم يعد لها وجود؛ فأما الموسيقى التي لا تصنع مثل هذه المعجزات فإنه لا ينكر وجودها (?) ويضيف إلى هذين علم الكيمياء، فهو بخلاف الطلسمات والموسيقى اللذين وجدا ثم عد ما لم يكن له وجود ألبته: " وأما هذا الذي يدعونه من قلب جوهر الفلز فلم يزل عدماً غير موجود وباطلاً لم يتحقق ساعةً من الدهر، إذ من المحال الممتنع قلب نوع إلى نوع، ولا فرق بين أن يقلب نحاس إلى أن يصير ذهباً أو قلب ذهب إلى أن يصير نحاساً وبين قلب إنسان إلى أن يصير حماراً أو قلب حمار إلى أن يصير إنساناً " (?) .

يتضح من كل ما تقدم في تاريخ تصنيف العلوم ابتداءً من جابر بن حيان حتى ابن حزم (وما بعد ابن حزم ينتمي إلى بحث آخر) أنه كانت لدى المصنفين المتفلسفين أو المتأثرين بالفلسفة تصورات سمولية منطلقة أساساً من موقف فكري محدد، قد يكون حيناً يونانياً في أسسه، وقد يبارح تمثل اليونانيين في تصنيفهم للعلوم (كما وضح عند ابن حزم) ؛ وعلينا ألا ننخدع بعنوان كتاب الفارابي " إحصاء العلوم " فنظنه مجرد تعداد لأنواعها، بل هو كتاب تصنيفي دقيق المنحى واسع الأفق يعتمد أساساً فلسفياً (?) ؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015