بعد علمهم بقوله، فإنه لا يجوز أن يقصدوا إلى خلافه عليه السلام استخفافاً بأمره " هذا ما لا يظن مسلم. لكن قد صح عن الواحد بعد الواحد منهم رضي الله عنهم أنه بلغه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأول فيه تأويلاً، كما روينا في نهيه عليه السلام عن الحمر الأهلية، فاختلف الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، فقال بعضهم: إنما حرمت لأنها كانت حمولة الناس. وقال بعضهم: إنما حرمت لأنه لم تكن حمر (?) . وقال بعضهم: إنما حرمت لأنها كانت تأكل القذر. وقال بعضهم: بل حرمت ألبتة. فهذه التأويلات [183 ب] كلها لا يجوز أن تكون كلها حقاً، ولا يجوز أن يضاف إلى الله منها شيء دون شيء آخر فيها بغير نص. فمثل هذا قد يتأوله المتأول مقدراً انه الحق، وهذا ما لا يجوز قبوله ممن وهم فيه، ومثل هذا كثير جداً.
وأما مدحهم الصحابة رضي الله عنه، فنحن أمدح لهم منهم، وأعرف بحقوقهم وأشد توقيراً لهم، ولكن القوم مموهون يهولون بمدح الصحابة وبإنكار خلافهم، وهم أترك الناس لأقوالهم وأشد خلافاً لهم، لا يلتفتون إلى شيء من أقوالهم، وإنما يكتبون أقوال مالك فقط. فما الذي ادخل تقليد مالك في مدح الصحابة، لو نصحوا انفسهم، وبالله تعالى التوفيق. وإذ يهولون بمدح الصحابة رضي الله عنهم ويعظمون خلافهم، فنحن نسألهم عن المسائل المأثورة في الموطأ وغيره عن عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة، أيأخذون بها أم يتركونها لقول مالك فإن قالوا: نتركها عاد تشغيبهم عليهم، وإن قالوا: بل نأخذها كذبوا، فإن قالوا: [إن] مالكاً كان أعرف بما ترك من أين تركها، قلنا لهم: يكفيكم بهذا إقرارهم بان مالكاً أظفر بعلم خفي عن عمر، وأمكن أن نعلم نحن كثيراً خفي عن مالك ولم يعرفه، لما قد ذكرناه من النسبة والنسابة بين جميع الناس وبين مالك وبين أول الصحابة رضي الله عنهم، وبالله تعالى التوفيق.
20 - ثم قالوا: " فنفس هذا السائل تنازعه أن الذي عليه الأكثر والجمهور هو الهدى، وانه الطريقة المثلى، لاتفاق العلماء، وائتلاف الجماعة وتتابع العمل، واستقرار الأمر عليه. ويقوله عليه السلام: إن أمتي هذه لا تجتمع على ضلالة، وإن أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ".
فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - إن هذا من العار والشنار الذي ينبغي أن يستحيي