رسائل ابن حزم (صفحة 780)

15 - ثم قالوا (?) : " وخصمك لا يتهم أحداً (?) من الآخذين عنهم كذلك، ولا يقع في نفسه أنك افقه ممن مضى، ولا أحذق ممن سلف، ولا أدرى بالمعاني والأحكام والتأويل، وعلم الناسخ والمنسوخ والأوامر والأفعال، والعام والخاص والمحظور والمباح، والفرض والندب، إذ قد حووا وطالعوا ما لا تحوي أنت عشر معشاره ولا تطالعه أبداً، لقربهم من دار الهجرة ومعدن الرسالة، ولصلاحهم (?) [181/أ] وإصلاحهم وورعهم، وأنهم في القرن المحمود الممدوح، وانهم قد طالعوا دواوين لم تطالعها أنت، وأن من الدواوين ما لا تقف أنت على أسمائها ".

فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - اننا قد بينا أنهم هم المتهمون (?) للصحابة والتباعين حقاً، لأنهم كلهم عندهم (?) في نصاب من لا ينبغي أن يشتغل به ويطلب أقوالهم، ولا يلتفت إلى شيء من فقههم إلا ما وافق مالكاً (?) فقط.

وأما قولهم: إنه لا يقع بأنفسهم أننا أفقه ممن مضى، ولا أحذق ممن سلف إلى آخر الكلام، فهذا أمر لا ندعيه لأنفسنا، ومعاذ الله أن نظن هذا، ولكن كما نظروا هذا النظر، وأصابوا في ذلك، فلينظروا أيضاً أن مالكاً وابن القاسم لم يكونوا أفقه ممن مضى قبلهما من الصحابة والتابعين، ولا أدرى منهم بالمعاني والأحكام والتاويل، والناسخ والمنسوخ والأوامر والأفعال والخاص والعام، والمحظور والمباح والفرض والندب، إذ قد حووا بلا شك من لقاء النبي صلى الله عليه وسلم ومشاهدته ما لا يحوي مالك وابن القاسم عشر معشاره، ولا طالعوه قط، لقرب أولئك من النبوة ومهبط الرسالة، ولمضمون صلاحهم وورعهم، وانهم القرنان الفاضلان المقدمان على قرن مالك وابن القاسم. فإذن (?) لم يكن تأخر مالك عنهم موجباً تقليد رجل منهم. إلا اننا نحن على كل حال، ولله الحمد، لا ندعو إلى رأينا ولا قولنا، وإنما ندعو إلى اتباع المضمون له أنه أفضل جميع الإنس والجن، والمقطوع بعظمته، وأنه لا يقول إلا الحق، والذي امرنا الله باتباعه بإقرارهم إن كانوا مسلمين. وإلى هذا ندعوهم، وهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015