من الذين غدروا به يركضان حتى وردا مالقة ودخلا وهما يقولان: البشرى البشرى، فلما وصلا إلى السطيفي وضعا سيوفهما عليه فقتلاه (?) ، ثم وافيا العسكر، فاستخرجوا إدريس بن يحيى من محبسه، فقدموه وبايعوه بالخلافة، وتسمى بالعالي، فظهرت منه أمورٌ متناقضة، منها أنه كان أرحم الناس قلباً، كثير الصدقة، يتصدق كل يوم جمعة بخمسمائة دينار، ورد كل مطرود عن وطنه إلى أوطانهم، ورد عليهم ضياعهم وأملاكهم، ولم يسع بغياً في أحد من الرعية، وكان أديب اللقاء حسن المجلس، يقول من الشعر الأبيات الحسان، ومع هذا فكان لا يصحب ولا يقرب إلا كل ساقط نذل، ولا يحجب حُرَمَهُ عنهم، وكلُّ من طلب منه حصناً من حصون بلاده ممن يجاوره من صنهاجة أو بني يفرن أعطاهم إياه، وكتب إليه أمير صنهاجة في أن يسلم إليه وزيره ومدبر أمره وصاحب أبيه وجده، موسى بن عفان السبتي، فلما أخبره بأن الصنهاجي طلبه منه وأنه لا بد له من تسليمه إليه، قال له موسى بن عفان " افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين "، فبعث به إلى الصنهاجي فقتله وكان قد اعتقل ابني عمه محمداً وحسناً ابني إدريس في حصن يعرف بأيرش، فلما رأى ثقته الذي في الحصن اضطراب آرائه خالف عليه، وقدم ابن عمه محمد بن إدريس، فلما بلغ ذلك السودان المرتبين في قصبة مالقة، نادوا بدعوة ابن عمه محمد بن إدريس، وراسلوه في المجيء إليهم، وامتنعوا بالقصبة، فاجتمعت العامة إلى إدريس بن يحيى واستأذنوه في حرب القصبة والدفاع عنه، ولو أذن لهم ما ثبت السودان ساعة من النهار، فأبى وقال: الزموا منازلكم ودعوني، فتفرقوا عنه، وجاء ابن عمه فسلم إليه، وبويع بالخلافة وتسمى المهدي (?) ، وولى أخاه عهده، وسماه السامي. واعتقل ابن عمه إدريس العالي في الحصن الذي كان هو معتقلاً فيه، وظهرت في محمد بن إدريس هذا رجلةٌ وجرأة شديدة هابه بها جميع البرابر، وأشفقوا منه، وراسلوا المرتب في الحصن الذي كان فيه إدريس بن يحيى واستمالوه، فأجابهم وقام بدعوته.
وكان إدريس بن يحيى هذا أول ولايته بعد قتل " نجا " قد ولى سبتة وطنجة رجلين برغواطيين من عبيد أبيه يسميان رزق الله وسُكات (?) ، فلما خلع كما ذكرنا بقيا حافظين لمكانهما، فلما قام كما ذكرنا في حصن أيرش، لم يظهر محمد بن إدريس