المقصر في المؤلفين فيه من أهل بلدنا " (?) أو حين يقول: " وأما علم الكلام فإن بلادنا وإن كانت لم تتجاذب فيها الخصوم ولا اختلفت فيها النحل، فقل لذلك تصرفهم في هذا الباب، فهي على كل حال غير عرية عنه ... " (?) تجد تواضعاً في الحكم وروحاً علمية أمينة. وكل ذلك ينفي نزعة التعصب، لأن التعصب معناه أن نبرز الحسنات ونخفي السيئات، وليس كذلك ابن حزم، فهو من ذلك الجيل من المفكرين الأندلسيين الذين قال فيهم الدكتور محمود مكي محقاً: " والمفارقة الصارخة التي تبدو عجيبة لأول وهلة هي أن هذا الجيل الذي أشرنا إلى مدى اعتداده بقوميته وبوطنه ... كان أكثر كتّاب الأندلس ومفكريها إلحاحاً على نقد شعبهم وحدةً في إظهار عيوبه ... " (?) .
وكان هذا التمجيد لتراث الأندلس في الماضي والحاضر لم يستطع أن يطمس أمام عيني ابن حزم انهيار الحاضر، لأن الوعاء السياسي - وهو الذي يستوعب جميع النشاطات الإنسانية الأخرى ويؤثر فيها - كان في نظره منهاراً، ولهذا لم يجوز أن يفهم الماضي على ضوء الحاضر، والشاهد على ذلك أن قوماً يقولون - مثلاً - إن يوسف الصديق كان في مقدوره أن يعرف أباه خبره لقرب المسافة، وهذا في رأي ابن حزم جهل ممن يقوله: لأن أباه يعقوب كان في أرض كنعان من عمل فلسطين في قوم رحالين وفي طاعة أخرى ودين آخر " كالذي بيننا اليوم وبين من يصاقبنا من النصارى كغاليس وغيرها أو كصحراء البربر ". وإنما كان هذا التعريف ممكناً لمن يرى " أرض الشام ومصر لأمير واحد وملة واحدة ولساناً واحداً وأمة واحدة والطريق سابل، والتجار ذاهبون وراجعون، والرفاق سائرة ومقبلة، والبرد ناهضة وراجعة " (?) . ومعنى ذلك كله أن التغيرات التي جدت بمرور الزمن لا تسمح بمثل هذا القياس، فالتباعد بين الماضي والحاضر في السيادة والوحدة الدينية واللغوية والوحدة الإقليمية وسهولة المواصلات واستتباب الأمن ونشاط العلاقات التجارية وتنظيم البريد يمنع من مثل ذلك. وكل هذه العوامل التي جدت تجعل الماضي مختلفاً عن الحاضر؛ لكن على ضوء الحاضر نفسه يمكن أن تفهم مسافة الخلف بينه وبين الماضي، فأما قياس التطابق