المرء أن يجمع أحكام ابن حزم في أفراد بأعيانهم من أمويي المشرق والمغرب ليدرك أنه كان أبعد من أن يوصف بالتعصب، ولكنه كان يرى للدولة الأموية في الأندلس دورها الكبير ويقارن بين ما كانت عليه الأمور في عهدها وما صارت إليه في عهد ملوك الطوائف، فلا يستطيع منطق وحدة الجماعة عنده أن يقبل ذلك التفكك والتناحر، ولا يستطيع منطق السيادة كما كانت تمثله الدولة الأموية أن يتقبل منطق العبودية الذي كانت تمارسه دول الطوائف. وليس بمستغرب بعد هذا أن يعترف بصحة إمامة الأمويين في المشرق والمغرب. وأما انحرافه عمن سواهم من قريش فإنه كلام غير دقيق، وحسبك أنه يؤمن بخلافة ابن الزبير ولا يؤمن بخلافة مروان، وأنه لا ينكر دور بني العباس في الخلافة وما كان لهم من مآثر. ولم يكن في الأندلس من القرشيين - عدا الأمويين - إلا بنو حمود، وهؤلاء لديه كسائر ملوك الطوائف من غير قريش. وتظل مقولة ابن حيان حول تشيعه في بني أمية صحيحة - على أن تكون بارئة من العصبية - ومثل هذا الموقف زاد في بغض الحكام المعاصرين له من ملوك الطوائف، وهذا أيضاً صحيح، لأنهم كانوا يبغضونه لصراحته في الحق وإنحائه على تصرفاتهم بالملامة، فإذا عرفوا فيه حبه لبني أمية زاد ذلك في شنآنهم له.
وهذا الحب للأمويين لم يكن سراً خافياً بل لعله اتصل بالواقع العملي، ولكن المتصدين وجدوا طريقهم للإيقاع بابن حزم عن طريق ذلك الحب، يقول هو في هذا الصدد: " وفي أثر ذلك (أي بيعة علي بن حمود) نكبني خيران صاحب المرية، إذ نقل إليه من لم يتق الله عز وجل من الباغين - وقد انتقم الله منهم - عني وعن محمد بن إسحاق صاحبي أنا نسعى في القيام بدعوة الدولة الأموية، فاعتقلنا عند نفسه أشهراً ثم أخرجنا على جهة التغريب فصرنا إلى حصن القصر " (?) . والشيء الذي أود أن أتوقف عنده في هذا المقام هو أن ابن حزم صادق حين ينفي عن نفسه السعي في القيام بدعوة الأموية، ولكن الباغين كانوا يعرفون فيه حبه للدولة الأموية ويكيدون له من ذلك المدخل، ويلصقون به تهمة يسهل تصديقها. وقد كان هو - وإن لم يسع بنفسه لعودة الأموية - يحب عودتها، ويمني النفس بذلك عند ظهور المرتضى (407 هـ) ، فقد غادر المرية إلى بلنسية عند ظهور المرتضى بها (?) ، وأكبر الظن أنه فعل ذلك لأنه كان يؤمل عودة الخلافة، فلما عادت على وجه اليقين بمبايعة المعتد (417) أصبح