رسائل ابن حزم (صفحة 441)

السامية، وتكلفت الارتقاء إلى دار تلك الفلك الشاهقة: تفكري إذ وصلت إلى هذه الرتب، وخرقت تلك الحجب، ورفعت دونك تلك الستور المسبلة، وفتحت لك تلك الأبواب المغلقة المقفلة، وسهل عليك تولج تلك المضايق الهائلة، وتأتى لك تخلل تلك الثنايا البعيدة، هل عرفت مائيتك، وهل دريت كيفيتك، وهل وقفت على أي شيء أنت، وما جوهرك وهل أشرفت على حملك لصفاتك، كيف حملتها

قال: لا، ما عرفت شياً من ذلك.

قالت: يا أيتها النفس العارفة بغيرها، الجاهلة بذاتها: فهل تعرفين محلك ومن أين أنت، ومن أين تتكلمين، وكيف تحركين هذه الأعضاء المصونة إذا حركتها، الساكنة إذا تركتها

قالت: لا.

قالت: يا أيتها النفس المعجب شأنها فيما علمت وفيما جهلت: هل تذكرين أين كنت ومن أين أقبلت، وكيف تعلقت بهذا الجسد المظلم الميت الجاهل، وكيف تصريفك له، وكيف بقاؤك فيه بالأسباب الممسكة لك معه، وكيف انفصالك عنه عند الآفات العارضة له

قال: لا.

قالت: يا أيتها النفس المعترفة بجهل ذاتها، الواقفة على علم ما عداها: ألست أنت المخاطبة والمسؤولة السائلة

قالت: بلى.

قالت: فما قطع بك عن معرفة ذاتك وصفاتك، ومكانك وبدء شانك، ومحلك وتنقلك، وكيف تعلقت بهذا الجسد وكيف تصريفك له وكيف تنقلك عنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015