الحمير والبقر، على ثلاثة أصناف (?) : فصنف لا يبالي فيما صرف كلامه مبادرا إلى الإنكار أو التصديق أو المكابرة دون تحقيق، فإن سألته إثر انقضاء كلامه عن القول الذي نصر دون تحقيق لم يدر ولا عرف من نصر ولا قوله، وهذا هو الأغلب في الناس، وتجد من هذه صفته يضن على أخيه وجاره بزبل منتن عند رجلي حماره فلا يبذله لمن ينتفع به، وهو أسمح الناس بالنطق الذي بان به عن التيوس والكلاب في غير أجر ولا بر لكن في الباطل والوزر والإفساد، وإن لم يحصل من ذلك ظاهرا إلا على تخشين (?) أنابيب صدره وتصديع رأسه واحتدام طبعه وإن سفه وسفه عليه. وصنف آخر ينصر ما عقد عليه نيته واعتقده بغير برهان، فلا يبالي بما نصره من حق أو باطل أو محال أو مكابرة أو أذى، وكذلك لا تجده اعتقد ما اعتقد إلا إلفا أو تقليدا أو شهوة، دون تحري حق ولا مجانبة باطل، وهؤلاء كثير وهم دون الأولين. وصنف ثالث لا يقصدون إلا إلى (?) نصر الحق وقمع الباطل وهؤلاء قليل جدا، ولا أعلم في الموجودات شيئا أقل [89ظ] منه البتة، نسأل الله تعالى أن يثبتنا في عدادهم (?) وأن لا يحيلنا (?) عن هذه الصفة الكريمة بمنة آمين، فإن العاقل ينبغي له أن يبغض نفقة حياته ونطقه (?) اللذين بهما أبانه خالقه تعالى عن الجمادات وسائر الحيوانات في غير ما ينتفع به لمعاده أكثر مما يبغض إنفاق ماله الذي هو غاد عنه ورائح.
واعلم أن ما ذكرنا من الوقوف على الحقائق لا يكون إلا بشدة البحث، وشدة البحث لا تكون إلا بكثرة (?) المطالعة لجميع الآراء والأقوال (?) والنظر في طبائع