رسائل ابن حزم (صفحة 1223)

هذا إلا (?) كالذي ذكرنا قبل سواء سواء. وكذلك إن وجدنا صفة في موصوف ولذلك الموصوف حكم ما، فإذا ارتفعت تلك الصفة ارتفع ذلك الحكم، فإنه ليس واجبا من أجل هذا فقط أن يكون ذلك الموصوف متى وجدت له تلك الصفة وجد له ذلك الحكم بل لعله قد توجد له تلك الصفة ولا يوجد له ذلك الحكم. مثال ذلك: ان الحياة إذا لم تكن موجودة قط في جسم ما فواجب ضرورة أن ذلك الجسم ليس إنسانا بلا شك؛ فإن أراد امرؤ أن يجري على الطريق التي ذممنا له (?) لزمه أن يقول: فالحياة متى وجدت في جسم ما وجب أن يكون إنسانا وهذا كذب بحت. ومثال ذلك في الشريعة: أن ملكك إذا ارتفع عن شيء فقد صح ملكه إلى غيرك، أو صح أنه لا ملك لمخلوق عليه، فهذا حق (?) ؛ فإذا ارتفع ملك غيرك عنه لم يلزم أن يصح ملكه لك أو أنه لا ملك لمخلوق عليه، بل لعله يملكه ثالث غيركما.

واعلم الآن أن المسامحة في طلب الحقائق لا تجوز البتة، وإنما هو حق أو باطل ولا (?) يجوز أن يكون الشيء حقا باطلا، ولا باطلا حقا، ولا باطلا لا حقا. فإذا بطل (?) هذا القسمان ببديهة العقل ضرورة ثبت القسم الثالث إذ لم يبق قسم سواه وهو إما حق وإما باطل. ولذلك قال لنا الأول الواحد عز وجل في عهوده إلينا: {فما [77ظ] ذا بعد الحق إلا الضلال} (يونس: 32) .

ولعل جاهلا يعترض علينا ها هنا في شيئين فيقول: أنتم تقولون بإباحة أشياء كالغناء (?) وغير ذلك فحق هي أم باطل فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إن كل ما أبحناه إذا فعله الفاعل ترويحا لنفسه وعونا على الصحة والنشاط ليقوى على إنفاذ أوامر خالقه عز وجل فهذا (?) كله حق؛ وإذا فعله عبئا وأشرا فكل ذلك ضلال. إلا أن من الضلال ما هو لغو أي غير معدود علينا رفقا بنا. ومنه ما هو معدود علينا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015