رسائل ابن حزم (صفحة 1037)

محمول في طبيعته وعرض فيها كالعدد والزمان، وبعضها عرض له من قبل غيره، ومحمول في طبيعته بطبيعة غيره، كالإضافة. وقد قدمنا أن الجنس منبئ عن طبيعة ما تحته، وهذه التي ذكرنا طبائعها في كونها عرضاً مختلفة ورسومها مختلفة فبطل أن يكون [11ظ] عرض جنساً لها، فمن نازعنا من أهل السخف والسفسطة وقال: أنا أريد أن أسمي جنساً كل اسم عبر به عن كثير وجماعة، ولا أبالي باتفاق طبائعها تحت ذلك الاسم أو باختلافها، قلنا له: لسنا ننازعك ولا ننفق معك الساعات في ما لا فائدة فيه، إلا أننا نقول لك قولين كافيين لمن عقل ولم يرد الشغب، فنقول: إن عزمت على ما ذكرت وكنت موحداً، فاعلم أنك قد أوقعت الله عز وجل تحت الأجناس، لأنه تعالى موجود وحق ومثبت. فإذا أوقعته تحت جنس فقد جعلته محدوداً ضرورة، إذ كل ما وقع تحت جنس فمحدود، تعالى الله عن ذلك. والقول الثاني أنا نقول له (?) : لسنا ننازعك في الجيم والنون والسين فإن بدا لك أن تسمى يدك أو رجلك أو ضرسك جنساً فلا مانع لك من ذلك إلا أنك تحتاج إلى من يوافقك على التخاطب بهذه اللغة التي أحدثتها، وحسبنا أن نقف عند طاعتك في اسم توافقنا عليه، نتفق على إيقاعه على كل جماعة تجمعها طبيعة واحدة تقوم منه فصولها، وتوجد منه حدودها، ويوجد أيضاً تحته (?) كثيرون مختلفون بأنواعهم، لنتفاهم به مرادنا، فإن أبيت من ذلك ولم توقع ما دون الخالق تعالى تحت حدود، فإنك واقع تحت المجاهرة بمكابرة العقل والحواس، لأنك ترى ضرورة أشياء تتفق في صفة واحدة، وأشياء أخر تخالفها في تلك الصفة وتتفق في صفة أخرى، وهذا هو معنى الحد لأن كل صفة تحد ما هي فيه دون ما ليست فيه، لا يدفع هذا إلا مجنون أو من هو في أسوأ من حال المجنون لقصده إبطال الحقائق وتلبيس المعارف وإثبات الأشكال. ومن بلغ هاهنا ترك الكلام معه، إذ غايتنا ممن يكلم أن ينصرف إلى الحق أو يلحق بالذين لا تجري أحكام العقل عليهم، مع أن هذا كفر من معتقده، إن كان ممن يسم نفسه بالإيمان؛ وبالله تعالى نعوذ من الضلال وما دعا إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015