بالواو هنا جديدة لا تشارك ما قبلها في إعرابه ولا في حكمه الذي يعطيه العطف، قال الأستاذ الإمام: وهذا لا يمنع أن يكون بين الجملة المبدوءة بواو الاستئناف وبين ما قبلها تناسب وارتباط في المعنى غير ارتباط العطف والمشاركة في الإعراب، كما هو الشأن هنا، فإن الآية الأولى مبيّنة لفائدة القتال في الدفاع عن الحق أو الحقيقة، والثانية آمرة به بعد تقرير حكمته وبيان وجه الحاجة إليه، فالارتباط بينهما شديد الأواخي لا يعتريه التراخي.

خرجوا فارين {فقال لهم الله موتوا} أي: أماتهم بإمكان العدو منهم، فالأمر أمر التكوين لا أمر التشريع، أي: قضت سنته في خلقه بأن يموتوا بما أتوه من سبب الموت، وهو تمكين العدوّ المحارب من أقفائهم بالفرار، ففتك بهم وقتل أكثرهم. ولم يصرح بأنّهم ماتوا لأن أمر التكوين عبارة عن مشيئته سبحانه، فلا يمكن تخلفه، وللإستغناء عن التصريح بقوله بعد ذلك: {ثمّ أحْياهم} وإنما يكون الإحياء بعد الموت والكلام في القوم لا في أفراد لهم خصوصيّة، لأن المراد بيان سنته تعالى في الأمم التي تجبن فلا تدافع العادين عليها، ومعنى حياة الأمم وموتها في عرف الناس جميعهم معروف. فمعنى موت أولئك القوم هو أن العدو نكل بهم فأفنى قوّتهم وأزال استقلال أمتهم حتى صارت لا تعدّ أمةً بأن تفرّق شملها وذهبت جامعتها، فكان من بقي من أفرادها خاضعين للغالبين ضائعين فيهم، مدغمين في غمارهم، لا وجود لهم في أنفسهم وإنما وجودهم تابع لوجود غيرهم. ومعنى حياتهم هو عود الاستقلال إليهم. ذلك أن من رحمة الله تعالى في البلاء يصيب الناس أنه يكون تأديبًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015