.. والجمهور ينكرون أن هذا المعنى ثابت قبل ورود الشرع، وأنه لا يسمى حكماً شرعياً. ولكنهم يقولون: ليس هذا هو معنى الإباحة الشرعية، إنما هى خطاب الشارع بالتخيير بين الفعل والترك من غير بدل. ولا شك أن هذا حكم شرعى؛ وأنه غير ثابت قبل ورود الشرع. ولو التفت هذا الفريق إلى هذا المعنى لم ينازع فيه؛ فليس هناك خلاف حقيقى بينهما.

... فالإباحة حكم شرعى يحتاج إلى دليل؛ والفعل الطبيعى منه صلى الله عليه وسلم يدل عليه. ونظرة واحدة فى باب أفعاله صلى الله عليه وسلم فى أى كتاب من كتب أصول الفقه، ترشدك إلى الحق فى هذا الموضوع (?) .

... ويقول الإمام الشاطبى فى رده على من قال: "ترك المباح طاعة على كل حال". قال: "بل فعل المباح طاعة بإطلاق؛ لأن كل مباح ترك حرام. ألا ترى أنه ترك المحرمات كلها عند فعل المباح، فقد شغل النفس به عن جميعها. وهذا الثانى أولى؛ لأن الكلية هنا تصح، ولا يصح أن يقال كل مباح وسيلة إلى محرم أو منهى عنه بإطلاق، فظهر أن ما اعترض به لا ينهض دليلاً على أن ترك المباح طاعة" (?) .

قلت: ويشهد لهذا قول الإمام السرخسى فى أصوله: "ترك العمل بالحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام، كما أن العمل بخلافه حرام" (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015