.. ومع ما شهد الله له بالعصمة فى بلاغ الوحي، فإنه عليه الصلاة والسلام أحب أن تشهد له أمته بذلك فاستنطقها بذلك فى أعظم المحافل، وذلك فى يوم عرفه فى حجة الوداع، حيث قال لهم فى خطبته العظيمة ذلك اليوم: "وأنتم تسالون عنى، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات" (?) فشهد له خير قرون هذه الأمة وهم صحابته رضوان الله عليهم (?) وفى حديث سمرة بن جندب رضى الله عنه (?) فى قصة الكسوف قال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، إنما أنا بشر، ورسول الله، فأذكركم الله إن كنتم تعلمون إنى قصرت عن شئ من تبليغ رسالات ربى لما أخبرتمونى! قال: فقام الناس فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، وقضيت الذى عليك" (?) .

... فهكذا كانت سناء أخلاقه صلى الله عليه وسلم العظيمة تحمله على أن يتحسس من أصحابه أن يخبروه إن وجدوا منه صلى الله عليه وسلم تقصيراً فى واجب البلاغ، وذلك لكمال خشيته لله عز وجل وأمانته فيما اؤتمن عليه، وإلا فإنه يعلم أنه المعصوم عن ذلك، فإن كان جانب البشرية منه يجوز له التقصير، فإن واجب العصمة تمنعه منه، ويدفعه إلى كمال البلاغ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015