رحمه للعالمين (صفحة 607)

والذي وجه الإنسان في كل مرحلة من مراحله في فقره وغناه، وشبابه وهرمه، وحربه وسلمه وخوفه ورجائه، ورقه وسيادته، وطربه وورعه، وفرحه وترحه.

والذي عرف الخلق بخالقهم، في علو السماء، وحضيض الأرض، وظلام الليل، وضوء النهار وأشعة الشمس، وتلألأ اليراعة، وتناثر الذرات، وطراوة القطرات.

والذي جعلت تعاليمه السامية من الوحوش حيوانات أليفة، ومن الذئاب رعاة، وقاطعي الطريق قادة، والعبيد ملوكا، والملوك إخوانا ناصحين، والذي فجر ينابيع العلوم والمعارف في الصحراء القاحلة الجرداء.

والذي جعل الطماعين الحريصين يؤثرون على أنفسهم في سبيل الله قومهم ووطنهم.

والذي جعل أعداءه أفلاذ كبده، وهو محب الفقير، ورفيق المسكين، وتاج الملوك، وقائد القادة، ومحسن العبيد، ومعين الأيتام، ومأوى البائسين، وملجأ الشاردين، ودواء المنكوبين، وناصح الناصرين، ومؤيد المساواة، ومؤسس الأخوة، ومقدر الحب، وطالب الإخلاص، ومنبع الصدق، ومعدن الصبر، وقدوة التواضع، ومظهر الرحمة، وآخر الرسل.

فالذي يجمع بين هذه الصفات كلها إن لم يلقب برحمة للعالمين فبأي شيء يلقب إذن؟ ألا إن رحمة للعالمين هو الذي قرب البلاد، وألف الشعوب وقضى على اختلاف الألوان والألسنة وملأ القلوب بعاطفة واحدة، والعقول بفكرة واحدة، وأنطق الألسنة بكلمة واحدة.

ألا إن رحمة للعالمين هو الذي لا يجعل النبي " لاوي " وسيلة لقبول النذور مثل اليهود.

ولا يعطي مفاتيح السماوات إلى رجل واحد مثل المجوس.

ولا يمنح البراهمة حق إدخال الروح في الجنة أو النار.

ولا يجعل أهل أرض خاصة أبناء ملكوت السماوات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015