يا أسفا على النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي آثر الفقر على الغنى والمسكنة على الثروة.
آه من النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لم ينم ليلة كاملة لأجل تفكره في عصاة أمته.
والذي قاوم نوازع النفس باستقامة واحتساب
والذي لم يلتفت قليلا إلى المنهيات.
والذي لم يتغير ضميره ولم ينكدر بكثرة ما أصابه الأعداء من الإيذاء والإهانة.
والذي لم تغلق أبواب بره وجوده يوما على البائسين والمحتاجين.
والذي كسرت بالحجر رباعيته المماثلة للؤلؤ.
والذي جرحت جبينه الغراء
والذي لم يشبع يومين متتابعين ولو من خبز شعير
يا أسفا إنه ارتحل اليوم من الدنيا (?).
وقد حير نبأ وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة جميعا وذهب بلبهم فانطلق بعضهم إلى الصحراء ووقف بعضهم في مكانه حيران لا يعرف رأسه من رجليه.
ولم يكن عمر الفاروق ليصدق بخبر الوفاة.
وقدم أبو بكر الصديق فكشف عن وجه النبي ثم راح يقبله وبكى ثم قال:
"بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها" (?).
ثم قدم المسجد وأعلن وفاة النبي وخطب في الناس فقال بعد أن حمد الله وصلى على نبيه:
" أما بعد.
فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال الله: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}.