يا رسول الله لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون" ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك.
ولم يكن المسلمون بداية على استعداد للقتال، وقد وصل عدد الأنصار والمهاجرين معا القادرين على الذهاب إلى ميدان المعركة ثلاثمائة وثلاث عشرة رجل.
لم يكن الإذن بالقتال قد أعطي بعد للمسلمين، لأنه لا صلة للإسلام بالحرب، فمادة كلمة الإسلام "سلم" تعني الصلح والسلام والدين الذي جاء للدنيا برسالة السلام، والدين الذي أمر أتباعه المؤمنين بالتواضع واللين، كيف له أن يأمر بالحرب؟
وكان هذا هو السبب الذي جعل المسلمين الأولين يتركون بيوتهم وأملاكهم في مكة ويهاجروا في صمت إلى الحبشة والمدينة ولكن الوضع قد تغير الآن ولم يعد هناك مفر من الحرب، ولو جلس المسلمون واضعين يدا على يد فالنتيجة الحتمية هي أنهم سيذبحون كالخراف، والخسارة الكبرى هنا أنه لن يبقى في الدنيا أحد من الموحدين، فبعد أن ظل المسيح عليه السلام يعظ الناس لثلاث سنوات إلا ثلاثة أشهر، أجبرته الضرورة على أن يأمر حواريه بأن يشتروا السلاح عوضا عن الثياب والمال (لوقا 22/ 36) ولهذه الضرورة نفسها رحم الله المسلمين فأمرهم بالدفاع عن أنفسهم ضد أعدائهم ممن يهجمون عليهم، وذلك بعد أن صبروا وتحملوا الظلم لأربع عشرة سنة.
هذا هو الحكم الأول الذي به سمح للمسلمين بالجهاد، يقول تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا} (الحج 39 - 40).
ويتضمن هذا الحكم أو الإذن يالتفصيل الأسباب التي من أجلها سمح (أذن) للمسلمين بالقتال، كما يوضح هذا الحكم أيضا نوعية الحرب هجومية كانت أم دفاعية.
السبب الأول: كون المدافعين مظلومين، والمهاجمين ظالمين، وهذا هو السبب الذي