ويمثلون أنفسهم بعناقيد العنب، وسائر الأمم بالشوك المحيط بأعالي حيطان الكرم. وهذا من قلة عقولهم ونظرهم، فإن المعتني بمصالح الكرم إنما يجعل على حيطانه الشوك حفظا وحياطة للكرم. ولسنا نرى لليهود من بقية الأمم إلا الضرر والذل والصغار، وذلك مبطل لقولهم.
وينتظرون فإنما يأتيهم من نسل داود: إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم ولا يبقى إلا اليهود وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به. وقد كان الأنبياء عليهم السلام ضربوا لهم أمثالا أشاروا بها إلى جلالة دين المسيح عليه السلام وخضوع الجبارين لأهل ملته وإتيانه بالنسخ العظيم.
فمن ذلك قول أشعيا في نبوته:
(وغار زائب عم كبيش يحذا ويربضوا شنيهيم وفارا واذوب ترعينا وارباكبا فارابوخل تبين) .
تفسيره: أن الذئب والكبش يرعيان جميعا ويريضان معا، وأن البقرة والدب يرعيان جميعا، وأن الأسد يأكل التبن كالبقرة.
فلم يفهموا من تلك الأمثال إلا صورها الحسية دون معانيها العقلية، فتأولوها على الإيمان بالمسيح عند مبعثه، وأقاموا ينتظرون الأسد يأكل التبن، ونصح لهم حينئذ العلائم بمبعث المسيح.
ويعتقدون أيضا أن هذا المنتظر متى جاءهم يجمعهم بأسرهم إلى القدس، وتصير لهم الدولة ويخلو العالم من سواهم، فيحجم الموت عن جنابهم المدة الطويلة. وسبيلهم أن يعولوا على متابعة الأسود في غاباتها، وطرح التبن بين أيديها، ليعلموا وقت أكلها إياه.