كثيرا من الملاحظات المفيدة والتي لا يمكن فهمها وتذوقها إلا بتتبع أصولها التاريخية في الأحداث السابقة عليها، وتتبع دلالاتها الأنثروبولوجية في الأحداث التي تلتها، وعادات الشعوب وتوجهاتها حتى في هذا التاريخ المعاصر. ونبدأ الآن بوضع شبه الجزيرة الإيطالية «1» .
لم يكن فريدريك بارباروسا واقعيا في نظرته لحدود حكمه المركزي، فقد أرسل في أواخر أيامه إلى صلاح الدين الأيوبي يقول: «أتزعم أنّك لا تعرف أنّ أثيوبيا وموريتانيا وفارس وسوريا وبارتيا ويهوذا والسامرة وبلاد العرب وكلديا ومصر ذاتها، أتدعي أنّك لا تعرف أنّ أرمينية ذاتها وأن عددا لا حصر له من البلاد، خضعت لسلطاننا ... »
وهذه الفقرات تفسر دعاويه في إيطاليا إذ طالب بأن تكون له من الحقوق ما كان للإمبراطور الروماني الحقيقي ... لقد أراد أن يعود إلى الزّمن الغابر ليبعث أمجاد الإمبراطورية القديمة، لكنّ الظروف كانت قد تغيّرت والإمكانات لم تكن تساعد، فأثار بذلك عداوة القوى الثلاث الكبرى في إيطاليا في القرن الثاني عشر وهي النورمان والبابويه والكيانات اللومباردية، (وفي ظل إيطاليا التي تحكمها هذه القوى كانت رحلة بنيامين لإيطاليا)