أن الأنبياء لا يُتركون في قبورهم فوق ثلاث ليال، وروي: فوق الأربعين، فإن صح ذلك، قدح في الاستدلال بالآية.
ويعارض القول بدوام حياتهم في قبورهم ما سيأتي من أنه - صلى الله عليه وسلم - يرد عليه روحه عند التسليم عليه، وحديث: "من زارني بعد موتي، فكأنما زارني في حياتي" الذي سيأتي إن صح، فهو الحجة في المقام.
وقال محمد بن عبد الهادي، في "الصارم المنكي على نحر ابن السبكي": الكلام في الآية في مقامين: أحدهما: عدم دلالتها على مطلوبه، والثاني: بيان دلالتها على نقيضه، وإنما يتبين الأمر بفهم الآية وما أريد بها، وسيقت له، وما فهمه منها أعلمُ الأمة بالقرآن ومعانيه، وهم سلف الأمة، ولم يفهم منها أحد من السلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم.
والآية إنما هي في المنافق الذي رضي بحكم كعب بن الأشرف وغيره من الطواغيت، دونَ حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فظلم نفسه بهذا أعظم ظلم، ثم لم يجىء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستغفر له.
وكانت عادة الصحابة معه - صلى الله عليه وسلم - أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة، جاء إليه، فقال: يا رسول الله! فعلتُ كذا وكذا، فاستغفرْ لي، وكان هذا فرقاً بينهم وبين المنافقين.
فلما نقل الله بيته - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرهم إلى دار كرامته، لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقول: يا رسول الله! فعلتُ كذا وكذا، فاستغفر لي، ومن يقل هذا عن أحد منهم، فقد جاهر بالكذب والبهت، وافترى. وعطل الصحابة والتابعون، وهم خير القرون على الإطلاق، هذا الواجب الذي ذم الله سبحانه من تخلف عنه، وجعل التخلف من أمارات النفاق، ووفق له من لا يؤبه له من الناس، ولا يعد في أهل العلم.
وأما دلالة الآية على خلاف تأويلها، فهو أنه سبحانه صدَّرها بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: 64]، وهذا يدل على أن مجيئهم إليه ليستغفر لهم طاعة له،