ورأيت بها محلاً يسمّى الماورديين، يحويه ثمانية أبواب، وهو مرتب الوضع متشعب، يكاد يضل فيه من لم يعرفه، بل ويقول بلسان الحال:
لا تسلكن طريقاً لستَ تعرفها ... بلا دليلٍ فتهوى في مغاويها
وقد جمع أنواع العطر وأصناف الثياب، إلى غير ذلك من المحاسن واللطائف، وبقربه صاغة اليهود، ولها سبعة أبواب، فلهما مناسبة بالجنة والنار، من حيث عدد الأبواب والكفر والإسلام.
ومن محاسن مصر بولاق وما أدراك ما بولاق!!؟ ساحل ساح له السواح، وسحّ له سحاب الغدوّ والرواح، ودارت أفلاكه بالدراري، وجرت فُلْكه بخزائن الأرض
في ذلك البحر الجاري، وغنّى في رياضه الشحرور والهَزَار، وترنم الشادي في محاسنه ببديع الأشعار:
سقى الله هاتيك المعاهد من مصر ... بلاد بها قد كان بيتي على البحرِ
وخودٌ تراءت من خلال قصورها ... كما لاحَ من بين السحابِ سنا البدرِ
إذا احتجبت عنا بفاضل بردهِ ... رأيت لها ذيلاً على دميةِ القصرِ
أعاذل في أهواء بولاق إن تكن ... محبتها ذنبي فإنّ الهوى عذري
إذا كنت في مصر ولم تك نازلاً ... على نيلها الجاري فما أنت في مصرِ
سقى الجيزة الريّا سحاب مقطب ... كما لقيتنا بالتأنس والبشرِ
رحلت إلى تحصيل لذاتها التي ... سمعتُ بها عنها إلى ما ورا النهرِ
نهار قصير فاق عمري كله ... فيالك يوم لا أرى مثله عمري
تباكرني يا صاح بالراحِ عصبةٌ ... تراهم لفرط الألف كالماء والخمرِ
ومُنيتها قد أصبحت لي منية ... وأمسيت لا أختار مصراً على مصرِ
وقال:
لم لا أهيم بمصر ... وأشتهيها وأعشق
ولم تر العين أحلى ... من مائها إن تملَق
وقد طال حديث مصر وزاد، ولكن بحسب ما قيل:
أخبار مصر حديثها من حسنه ... يحلو لأن اللفظ منه سُكّر