شحاً، ومن أقام في دمشق سنة وجد في طباعه غلظاً، ومن أقام بمصر سنة وجد في أخلاقه رقة.
والذي يظهر أن ذلك بحسب الخلطة مع مساعدة البقعة والاستعداد، فقد رأيت من أقام بمصر فظهر بالتجبّر وآخر بالمذلة، وكان يقال:
عدوى البليد إلى الجليد سريعة ... والنارُ تطرحُ بالرمادِ فتخمدُ
رُويَ أنّ الله تعالى لما خلق الأشياء، قال القتل: أنا لاحق بالشام، فقالت الفتنة وأنا معك. وقال الخصب: أنا لاحق بمصر، فقال الذل: وأنا معك. وقال الشقاء: أنا لاحق بالبادية، فقالت الصحة: وأنا معك. وقال الإيمان: أنا لاحق باليمن، فقال
الحياء: وأنا معك. وقال الكبر: أنا لاحق بالعراق، فقال النفاق: وأنا معك.
(ورُويَ) أن الله تعالى جعل البركة عشرة أجزاء تسعة منها في قريش وواحد في سائر الناس، وجعل المكر عشرة أجزاء فتسعة منها في القبط وواحد في سائر الناس، وجعل النجابة عشرة أجزاء تسعة منها في الروم وواحد في سائر الناس.
وحُكيَ أن الحجاج سأل ابن القرية عن طباع أهل الأرض فقال: أهل الحجاز أسرع الناس إلى الفتنة وأعجزهم عنها، رجالها حفاة، ونساؤها عراة، وأهل اليمن أهل سمع وطاعة، ولزوم جماعة، وأهل البحرين قبط استعربوا، وأهل اليمامة أهل حق وائتلاف، وأهل فارس أهل بأس شديد، وعزٍّ عتيد، وأهل العراق أبحث الناس عن الصغيرة وأضيعهم للكبيرة، وأهل الشام أطوع الناس للمخلوق وأعصاهم للخالق، وأهل مصر عبيد لمن غلب.
دع الأتراك والعربا ... وكن في حزب من غلبا
قال الجاحظ في كتاب الأمصار الصناعة بالبصرة، والفصاحة بالكوفة، والحسن بهراة، والمروءة ببلخ، والبخل بمرو، والعجائب بمصر، قلت وكلّ ذلك في كلّ أحد غاية ما في الباب، أن ذلك في هند أظهر منه في دعد، ومن أكثر من شيء نسب إليه.
قيل ليس في الدنيا شجرة إلا وهي توجد بمصر، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.
ويوجد في مصر كلّ وقت من الزمان كثير من المأكول والمأدوم والمشموم، وسائر البقول والخضر صيفاً وشتاءً، لا ينقطع منه شيء لبرد ولا حر.