منهما خمسون ذراعاً، فيهما صورة إنسان على دابة وعلى رأسها شبه الصومعتين من نحاس، فإذا جرى النيل رَشَحا وقطر الماء منهما، ولا تجاوزهما الشمس إلا في الانتهاء، فإذا نزلت أول دقيقة من الجدي - وهو أقصر يوم في السنة - انتهت إلى العمود الجنوبي ووقعت على قبة رأسه، وإذا نزلت أول دقيقة من السرطان - وهو أطول يوم في السنة - انتهت إلى العمود الشمالي ووقعت على قبة رأسه، ثم تطرد بينهما ذاهبة وآيبة سائر السنة، ويترشح منهما الماء وينزل إلى أسفلهما، فينبت العوسج وغيره من الشجر. قيل: وبها تماثيل عملتها الجن لسليمان عليه السلام.
(ومن عجائب مصر)، بل من عجائب الدهر، نهر النيل الذي ليس على وجه الأرض أطول منه، لأن مسيره شهر في بلاد الإسلام، وشهران في بلاد النوبة، وأربعة أشهر في الخراب، إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خط الاستواء، وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال، ويمد في شدة الحر عند انتقاص المياه، ويزيد وينقص بترتيب إلا النيل ونهر مهران، وهو بالسند، عرضه عرض جيحون، يجري من المشرق إلى المغرب ويقع في بحر فارس، كذا في الخريدة. وسلف نقلاً من الخطط أن مصبه بحر القُلْزُم.
قال بطليموس إن بهذا الربع المسكون مائتي نهر، كلّ نهر منها من خمسين فرسخا إلى ألف فرسخ، فمنها ما يجري إلى المشرق وإلى المغرب، ومنها ما هو بالعكس، ومنها ما هو من الشمال إلى الجنوب، ومنها ما هو بالعكس، وكلها تبتدئ من الجبال وتصب في البحار بعد انتفاع العالم بها، وفي ضمن ممرها تتصور بطايح وبحيرات، فإذا صبت في البحر المالح وأشرقت الشمس على البحار، تصعّد إلى
الجو بخاراً،