ثم أتينا على الوادي وما أدراك ما الوادي!؟ وادٍ فسيح الجناب مخضر الأرجاء والرحاب، به النخيل التي لا تحصى، والجداول التي من محاسن رياضها لا تستقصى، وفيه الكادي الذي هو أطيب الطيب، وأنواع البطيخ العجيب، وقد تزينت أرجاؤه بقباب أبناء الزهراء، فلا فقدتهم تلك المنازل، ولا برح كلّ روض بهم عاطر وآهل. ثم رحلنا منه والأشواق تقودنا إلى البيت الحرام، وتسوقنا إلى البلد الذي لا يزال يقصد ويرام:

بلد به البيت المحرم قبلةٌ ... للعالمين له المساجدُ تعدلُ

حرمٌ حرامٌ أرضه وصيودهُ ... والصيدُ في كلّ البلادِ محللُ

وبه المشاعرُ والمناسك كلها ... وإلى فضيلته البرية ترحلُ

وبه المقامُ وحوضُ زمزم مشرع ... والحِجر والركن المشيد الأفضلُ

والمسجد العالي المحصّبُ والصفا ... والمشعران لمن يطوف ويرملُ

وبمكةَ الحسنا يضاعف أجرنا ... وبها المسيء من الخطايا يغسلُ

أم القرى

وجدّ بنا السير إلى أم القرى فدخلنا من باب السلام، إلى ذلك المقام، وأقمنا بذلك البلد الحرام، ثم توجهنا إلى عرفة، وهي على اثني عشر ميلا من مكة، فقضينا الحج وعلى الله القبول، كانت حجة الجمعة المشهور فضلها على غيرها. ثم توجهنا إلى منى فرمينا الجمار، وبلغنا بها الأوطار، ومنى على فرسخ من مكة بين جبلين مطلين عليها، أحدهما ثبير وهو موضع الكبش:

وآي منى خمس فمنها اتساعها ... لحجاجِ بيت الله لو جاوزوا الحدّا

ومنع حداة خطف لحم بأرضها ... وقلة وجدان البعوض بها عدّا

وكون ذباب لا يعاقر طعمها ... ورفع حصى المقبول دون الذي رُدّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015