وهي بلدة على ساحل البحر الشامي. ثم توجهنا فمررنا بقرية لطيفة يقال لها اسكندرونة وهي آخر ساحل مررنا به في تلك الجادة.
ثم أتينا على جبال ومحاجر إلى بيلان وهي بلدة على رأس جبل، كثيرة الماء والخيرات. ثم أتينا على المفرق الذي منه طريق إلى حلب وطريق إلى إنطاكية وكانت مرحلة مشطة.
المراحل الرومية مقدرة المسير بالساعات، ورأيت في ذلك مؤلفاً عند الأمير محمود آغا أمين صرة الحرمين، والمراحل الشامية مسافتها مقدرة بالبرد،
والمصرية بالدرج.
ثم نزلنا على العين البيضاء وهي قرية أهلها رعاة، وماؤها ينبع من بين الصخور، ولا تكاد تسلك أيام الأمطار وهي مخضرَّة الأكناف.
ثم أتينا على جبل الغاوي وهو صعب المسلك، ومساحته ثلاثة أميال ومن أعلاه ترى حلب، فلم نزل نقطعه وحوافر البغال تكاد تتقطَّع، وأظافر الرجال تكاد تتقلَّع، حتى أتينا على وادٍ فيه مزارع وآبار، وفي غربيه من منتهى جبل الغاوي صهاريج متعددة منحوتة، وفي شرقيه بناء قديم يقال له قبر الأربعين، فلم نزل نسير في محاجر وأوعار، حتى أتينا على قرية التين وقد أبادتها الليالي، ثم على أنجاره وهي عين جارية في بطن الوادي.
ثم قدمنا حلب المحروسة وانتشقنا عبقة بساتينها البهية المأنوسة، وحمدنا الله تعالى على الخلاص من تلك الطريق التي هي غير قويمة، وفراق هاتيك المنازل التي هي كما يقال خداج عقيمه، فأوّل مسرَّة قرَّت بها العين، وسُرَّ بها الجَنان، دخولنا إلى فردوسها من باب الجِنان.