فحمداً لأياديه، وخواتيم أمره ومباديه، وشكراً لمنّته البهيّة، وهمته العليّة، فإنها ما أرادت أمراً إلا أدركت غايته، واستدركت فائته.

على أنها عند الملماتِ لم تزَل ... إذا جُرّدت كالمشرَقيّ المهندِ

بها يأمنُ اللاجئُ خطوب زمانهِ ... كما يبلغ الراجي بها كلّ مقصدِ

وغيره:

أطلق لسانكَ بالثناءِعلى الذي ... أولاكَ حُسن رغائِبِ وغرائبِ

واشكره شكر الروض باكرهُ الحيا ... كيما تقومَ لهُ ببعضِ الواجبِ

فأخذت في الرحيل وودّعت، وعزمت على أن لا أعود وأزمعت، فرجعت كثير الشَغَف، ولي قلب كليم بالأسف:

ولقد نثرتُ مدامعي ودمي معاً ... يومَ الوداع وخاطري مكسورُ

لا تعجبوا لتلوِّن في أدمعي ... لابدَّ أن يتلونَ المنثورُ

فلا غَرْوَ أن أقول بلسان الحال، إذا كنت كرة لصوالِجةِ الليال:

كأنّي في الزمانِ اسم صحيح ... جرى فتحكّمت فيه العوامل

مزيد في بنيهِ كواو عمرو ... وملقى الحظِّ فيه كراء واصِل

فصممت على رحيلي، وجمعت للرحلة ذيلي، وأخذت لا من الذهب بل في الذهاب، وعزمت على عدم تمنِّي الإياب، فقوّضت خيام الغيبه، وأسرجت جواد الأوبه:

إلى بلدةٍ نيطت عليّ تمائمي ... بها في جوارِ الهاشميّ محمدُ

فنزلت الخليج السكندري، حتى أتيت على أسكدار، وهي بلدة عظيمة المقدار، بها الجوامع الجامعة، والمدارس الساطعة، والمباني المشيّدة، والأسواق المتعدّدة، وعرض هذا الخليج مقدر بستة أميال، والميل البحري مقدّر بمسافة لو وصل غايتها البصر وكان ثمة شخص، عرف كونه قائماً أو قاعداً. والبريد مقدر بألف باع، وقيل بأربعة آلاف خطوة، والخطوة ذراع ونصف، وفي ذلك قالوا:

إن البريد من الفراسخ أربعٌ ... ولِفرسخٍ فثلاثُ أميال ضعوا

والميلُ ألفُ أي من الباعات قل ... والباع أربع أذرع فتتبعوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015