في المُوَيْلِح من الرخاء ما لا تصفه الأقلام، ولا تحويه الأرقام، وفيه السمك الطري، والفواكه المتنوعة، والأراك الكثير، ومما قيل فيه:
سألوا مديح مناهلٍ فأجبتهم ... هذي المناهلُ مدحُها لا يصلحُ
وأقول إن ألزمتمُ بمديحها ... هذا المويلحُ في المناهلِ أملحُ
وبالجملة فإنه لم يكن في تلك المنازل، أحسن من هذا الساحل، مياهه بالنسبة إلى تلك المنازل مستعذبة، وبساتينه مزهرة طيبة، جوّه فسيح، وهواؤه صحيح، فلا زال كذلك، جنة في تلك المسالك.
(قال في البرهان): المويلح بالتصغير ساحل بالقلزم، يشتمل على أشجار متناسقة؛ ونخيل باسقة؛ ومياه سائغة في الجملة؛ وفيه قلعة حصينة ومنازل وعرب، عرضه كح وطوله عب.
ولما كان آخر اليوم الثالث، وقد رق ثوب الأصيل، رحلنا منه قاصدين عيون القصب. وهي مقصبة ينتهي إليها ماء من عين جارية من مسافة طويلة، على نخيل باسقة، وأشجار متناسقة، قد يؤتى منها بأثمار فتباع على الركب، وقد انقطع ذلك لانقطاع عوائد العرب من صلات السلطنة، فلذلك ارتفعت العرب، وصار الوادي مخيفاً، وماؤه في غاية العذوبة، يجري من بين القصب الفارسي بين نبت مختلف طيب الطعم والرائحة، ومما قيل فيه:
قصب الوادي هبوا لي ماَءهُ ... ففؤادي فيه حرّ الوصبِ
أو قفوا بي برهةً يارِفقتي ... أتروّى من عيون القصبِ
وهذا الماء يجري من أعلى صخرة على ظهر الوادي بمقدار ميل، ثم يغور في الرمل. وزعم بعضهم أنه ثقيل، سريع التعفن، يُكْرَه الإكثار منه. قال الحافظ ابن
حجر في كتاب أنباء الغمر: في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة حفرت بعيون القصب بئر عظيمة، فعظم النفع بها، وكانت عيون القصب تجري من وادٍ عظيم ينبت فيه القصب الفارسي، ويجري الماء من بين تلك الغابات. وكان للحُجاج به رفق، بحيث يبيتون به ليلة، ثم