وقال:
لهفي على بغداد من بلدةٍ ... كانت من الأسقام لي جُنَّه
كأنّني عند فراقي لها ... آدم لما فارق الجنَّه
هذا والقاضي عبد الوهاب المالكي لما نبت به تلك الديار، وخرج منها طالباً مصر، قال بحسب حاله والحكم يدور مع العلة:
بغداد دار الأهل المال طيبة ... وللمفاليس دار الضنكِ والضيقِ
ظللت حيران أمشي في أزقّتها ... كأنني مصحف في دار زِنديقِ
وممن تشرفت بحضرته، وتمليت بسنا طلعته، فخر قضاه العساكر، وليث الفضاء الكاسر، المولى أبو سعيد محمد بن أسعد، لا زال هام الفراقد يصعد، فإذا هو أعز الله تعالى قدره، وأطلع في أفق المعالي بدره، قرة عين الأعيان، وغرة جبهة الزمان، وهو القائل فيه:
عَلتْ درجات الفضل واتضحت ... دقائق من معاني لفظه البهجِ
هذا وليل الشباب الجون منسدل ... فكيف حتى يضئ الشيب بالسرجِ
يا حبذا أعين الأوصاف ساهرة ... بين الدقائق من علياه والدرجِ
كيف لا وهو الذي أثنت علوم الأوائل على طبعه السليم، وذوقه المستقيم، وشهدت بفضله رواة الحديث النبوي، فما أعلى قدر من شهد بفضله الحديث والقديم:
-
فالدهر يرقص والأيام تنشده ... هذا هو العيش إلا أنه الهاني
فلا زال متفقها في الخيرات ومدرساً ومعيداً، وكما أسعد براعة ابتدائه يجعل ختامه سعيداً.
فإني وإن بالغت في الشكر والثنا ... عليه مقر بالقصور وبالعجزِ