وأنا من سكانها بين خلق في صورة البشر، وأعيان جمعوا بين الحماقة والأشَر، فما أولاني في تلك الحال، بقول من قال:

يا ضيعة العمر في قوم تخالهم ... ناساً ولا غير أثواب على صور

لو أن ذا الحلم حَلَّ بينهم ... لودّ فيهم ذهاب السمع والبصر

لهم كلام تقشعر منه الآذان، بأصوات مقلوبة ما دقت باب الدخول، ولا فرقت بين الفروع والأصول، فكم أطربت ولا أطربت وكم أغربت ولا أغربت.

رودس

وكم حوت رودس مع حسن بهجتها ... من كلّ فدم بليد الطبع فاسده

فكنت كما قال:

أصبحت في بلدة غراء تجهلني ... وكلّ ثاوٍ بدار الجهل مجهولُ

في معشر ما لأهل الفضل عندهم ... قدر ولا لبني الآداب تفضيلُ

دار من مزخرفة الأركان ليس بها ... إذا سلكت الهدى إلا التماثيلُ

فحق أن أذكر الزورا وجيرتها ... وروضة الطهر فهي القصد والسُولُ

لا أبعد الله هاتيك الرياض ولا ... زالت لها من سحاب الخير تظليلُ

فلا غرو أن أذكر معاهد الفضل ومواطنه، وأمتدح موارد الأدب ومعادنه، وأبوح بهوى تلك البقاع البهيّة، وأنوح متشوقاً إلى هاتيك الرباع الحرمية.

بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ... وأول أرض مَسَّ جلدي ترابُها

فلا برحت تزهو على الأفق بالبها ... ولا زال يهمي في الرياض سحابُها

رودس

ورودس هذه جزيرة في البحر الرومي، ساحتها ثلاثة فراسخ وعمارتها فرسخ، وعليها ثلاثة أسوار منيعة، وثلاثة من الخنادق، وتمشي في عرض السور ثلاث عربات، وهو مخرق من أعلاه إلى أسفله، في كلّ كوة مدفع يضرب ما يحاذيه، ولا يؤثر في هذا الحصار شيء من المدافع، وفي بابه سلسلة عظيمة في وسط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015