وأما سيرته فإنه كان شريف النسبين، كامل الحسبين:
فيا نسباً كالشمس أبيض واضحاً ... ويا شرفاً من هامة النجم أرفعُ
وكان عزيز النفس، صدوق الحَدْس:
تعرف من عينه نجابته ... كأنَّه بالذكاء مكتحلُ
محباً للفقراء ومستنزل الضيف للقرى، متنزلاً لأهل الأدب، مولعاً بالمنادمة والطرب، تأدب بالأشعار والسير، ومشى في التصّوف على طريقة الشيخ الأكبر، وكانت في خدمته كثير من المشايخ الكبار، وسافر إلى اليمن فاِجتمع برجالها، وبشّر بولاية مكة المشرفة فكان لا يزال يتشوّفها، ويكنى عنها بطلوع الشمس، سمعت منه عام اثنين وثلاثين وألف:
لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورة ... فمسرحُ غزلان وديرٌ لرهبانِ
أدين بدينِ الحب أنّى توجهتْ ... ركائبهُ فالحبُ ديني وإيماني
وكان من أموره أنه لما قدم الوزير أحمد باشا متوجهاً إلى اليمن انكسر مركبه بثغر جدة، فلما دخل البندر طلب من يغوص البحر لإخراج ماله منه، فاخرجوا له البعض واعتذروا عن الباقي، فاتهمهم وقتل حاكم البلدة وأمين قلعتها، وذلك في
شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وألف، وشريف مكة إذ ذاك السيد محسن بن حسين بن أبي محمد، وقد توجه السيد أحمد المذكور إلى الوزير فأغراه على الشريف محسن، وما زال به حتى وسَمَهُ بإمرة مكة المشرفة، وكان لا يملك شيئاً في تلك الحالة، فلله دَرّ من قال:
إذا اصطفاك لأمرٍ هيَّأَتك له ... يدُ العناية حتى تبلغ الأرَبا
لو لم تُرد نيلَ ما أرجو وأطلبه ... من باب فضلك ما علّمتني الطلبا