كالطيف يستقري مضاجعه ... أو كالحسام يسل من غمد
يثنون بالحسنى التي سبقت ... من غير إنكار ولا جحد
ويرون لحظك من وفادتهم ... فخراً على الأتراك والهند
يا مستعيناً جل في شرف ... عن رتبة المنصور والمهدي
جازاك ربك عن خليقته ... خير الجزاء فنعم ما يسدي
وبقيت للدنيا وساكنها ... في عزة أبداً وفي سعد
وأنشدته في سائر أيامه غير هاتين القصيدتين كثيراً، لم يحضرني الآن شيء منه.
ثم غلب ابن مرزوق على هواه، وانفرد بمخالطته، وكبح الشكائم عن قربه، فانقبضت، وقصرت الخطو، مع البقاء على ما كنت فيه من كتابة سره، وإنشاء مخاطباته ومراسمه.
ثم ولاني آخر الدولة خطة المظالم، فوفيتها حقها، ودفعت للكثير مما أرجو ثوابه. ولم يزل ابن مرزوق آخذاً في سعايته بي وبأمثالي من أهل الدولة، غيرة ومنافسة، إلى أن انتقض الأمر على السلطان بسببه. وثار الوزير عمر بن عبد الله بدار الملك، فصار إليه الناس، ونبذوا السلطان وبيعته، وكان في ذلك هلاكه، على من ذكرناه في أخبارهم.
ولما مقام الوزير عمر بالأمر، أقرني على ما كنت عليه، ووفر إقطاعي، وزاد في جرايتي، وكنت أسمو، بطغيان الشباب، إلى أرفع مما كنت فيه، وأدل في ذلك بسابقة مودة معه، منذ أيام السلطان أبي عنان، وصحابة استحكم عقدها بيني وبينه، وبين الأمير أبي عبد الله صاحب بجاية، فكان ثالث أثافيتا، ومصقلة فكاهتنا. واشتدت غيرة السلطان لذلك كما مر، وسطا بنا، وتغافل عن عمر بن عبد الله لمكان أبيه من ثغر بجاية، ثم حملني الإدلال عليه أيام سلطانه، وما ارتكبه في حي من القصور بي عما أسمو إليه، إلى أن هجرته، وقعدت عن دار السلطان، مغاضبا له، فتنكر لي، وأقطعني جانباً من الأعراض، فطلبت الرحلة إلى بلدي بإفريقية. وكان بنو عبد الواد قد راجعوا ملكهم بتلمسان، والمغرب الأوسط،
فمنعني من ذلك، أن يغتبط أبو حمو صاحب تلمسان بمكاني، فأقيم عنده. ولج في المنع من ذلك، وأبيت أنا إلا الرحلة،