والنبط. وأين هؤلاء من الترك، وهذا برهان ظاهر على ما ادعيته في هذا الملك.
وأما الأمر الثاني مما يحملني على تمني لقائه، فهو ما كنت أسمعه من أهل الحدثان بالمغرب، والأولياء، وذكرت ما قصصته من ذلك قبل. فقال لي: وأراك
قد ذكرت بختنصر مع كسرى، وقيصر، والإسكندر، ولم يكن في عدادهم، لأنهم ملوك أكابر. وبختنصر قائد من قواد الفرس، كما أنا نائب من نواب صاحب التخت، وهو هذا، وأشار إلى الصف القائمين وراءه، وكان واقفاً معهم، وهو ربيبه الذي تقدم لنا أنه تزوج أمه بعد أبيه ساطلمش فلم يلفه هناك، وذكر له القائمون في ذلك الصف أنه خرج عنهم.
فرجع إلي فقال: ومن أي الطوائف هو بختنصر، فقلت: بين الناس فيه خلاف، فقيل من النبط بقية ملوك بابل، وقيل من الفرس الأولى، فقال: يعني من ولد منوشهر. قلت نعم هكذا ذكروا، فقال: ومنوشهر له علينا ولادة من قبل الأمهات. ثم أفضت مع الترجمان في تعظيم هذا القول منه، وقلت له: وهذا مما يجعلني على بني لقائه.
فقال الملك: وأي القولين أرجح عندك فيه، فقلت إنه من عقبة ملوك بابل، فذهب هو إلى ترجيح القول الآخر. فقلت: يعكر علينا رأي الطبري، فإنه مؤرخ الأمة ومحدثهم، ولا يرجحه غيره، فقال: وما علينا من الطبري؟ نحضر كتب التاريخ للعرب والعجم، ونناظرك. فقلت: وأنا أيضاً أناظر على رأي الطبري، وانتهى بنا القول، فسكت، وجاءه الخبر بفتح باب المدينة، وخروج القضاة وفاء بما زعموا من الطاعة التي بذل لهم فيها الأمان، فرفع من بين أيدينا، لما في ركبته من الداء، وحمل على فرسه فقبض شكائمه، واستوى في مركبه. وضربت الآلات حفافيه حتى ارتج لها الجو. وسار نحو دمشق، ونزل في تربة منجك عند باب الجابية، فجلس هناك، ودخل إليه القضاة وأعيان البلد، ودخلت في جملتهم، فأشار إليهم بالانصراف، وإلى شاه ملك نائبه أن يخلع عليهم في وظائفهم، وأشار إلي بالجلوس، فجلست بين يديه. ثم استدعى أمراء دولته القائمين على أمر البناء، فأحضروا عرفاء البنيان المهندسين، وتناظروا في إذهاب الماء الدائر بحفير
القلعة، لعلهم يعثرون بالصناعة على منفذه،