الأوقات التي يفد فيها أعيان بلدهما. ثم استنفرهما للغزو، وحضرا معه واقعة طريف، وعادا إلى بلدهما. وتوفي أبو زيد منهما إثر ذلك، وبقي أخوه أبو موسى مُتَبَوِّئًا ما شاء من ظلال تلك الكرامة.
ولما سار السلطان أبو الحسن إلى إفريقية سنة ثمان وأربعين، كما مر في أخباره استصحب أبا موسى ابن الإمام معه مكرماً فوقراً، عالي المحل، قريب المجلس منه. فلما استولى على إفريقية، سرحه إلى بلده، فأقام بها يسيراً، وهلك في الطاعون الجارف سنة سبع وأربعين. وبقي أعقابُهُما بتلمسان دارجين في مسالك تلك الكرامة، ومتوقلين قللها طبقاً عن طبق إلى هذا العهد.
وأما السطي، واسمه محمد (بن علي) بن سليمان، من قبيلة سطة، من بطون أوربة بنواحي فاس. نزل أبوه سليمان مدينة فاس، ونشأ محمد بها، وأخذ العلم عن الشيخ أبي الحسن الصُّغَيِّر إمام المالكية بالمغرب، والطائر الذكر، وقاضي الجماعة بفاس، وتفقه عليه. وكان أحفظ الناس لمذهب مالك، وأفقههم فيه. وكان السلطان أبو الحسن لدينه وسراوته، وبعد شأوه في الفضل، يتشوف إلى تنويه مجلسه بالعلماء، واختار منهم جماعة لصحابته ومجالسته. كان منهم هذا الإمام محمد بن سليمان. وقدم علينا بتونس في جملته، وشهدنا وفور فضائله. وكان في الفقه من بينها لا يجارى، حفظاً وفهماً، عهدي به وأخي محمد رحمه الله يقرأ عليه من كتاب التبصرة لأبي الحسن اللخمي، وهو يصححه عليه من إملائه وحفظه، في مجالس عديدة. وكذا كان حاله في أكثر ما يعاني حمله من الكتب. وحضر مع السلطان أبي الحسن، واقعة القيروان، وخلص معه إلى تونس، وأقام بها نحواً من
سنتين.