عن ابن نافع: توفي مالك ابن سبع وثمانين سنة، ولم يختلف أهل زمانه في أمانته، وإتقانه، وحفظه وتثبته وورعه، حتى لقد قال سفيان بن عيينة: كنا نرى في الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: تضرب أكباد الإبل في طلب العلم فلا يوجد عالم أعلم من عالم المدينة أنه مالك بن أنس.
وقال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم، وقال: إذا جاءك الحديث عن مالك،
فشد به يديك؛ وقال أحمد بن حنبل: إذا ذكر الحديث فمالك أمير المؤمنين.
وقد ألف الناس فضائله كتباً، وشأنه مشهور.
وأما الذي بعثه على تصنيف الموطأ - فيما نقل أبو عمر بن عبد البر - فهو أن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عمل كتاباً على مثال الموطأ، ذكر فيه ما اجتمع عليه أهل المدينة، ولم يذكر فيه شيئاً من الحديث، فأتي به مالك، ووقف عليه وأعجبه، وقال: ما أحسن ما عمل هذا، ولو كنت أنا الذي عملت لبدأت بالآثار، ثم شددت ذلك بالكلام. وقال غيره: حج أبو جعفر المنصور، ولقيه مالك بالمدينة، فأكرمه وفاوضه. وكان فيما فاوضه: يا أبا عبد الله لم يبق على وجه الأرض أعلم مني ومنك، وقد شغلتني الخلافة، فضع أنت للناس كتاباً ينتفعون به، تجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر ووطئه للناس توطئة. قال مالك: فلقد علمني