بالعشي والإبكار، ومجالس للتلاوة والاستغفار، في الآصال والأسحار، وزوايا للتخلي عن ملاحظة الأسماع والأبصار، والتعرض للفتوح الربانية والأنوار، ومدارس لقدح زناد الأفكار، ونتاج المعارف الأبكار، وصوغ اللجين والنضار، في محك القرائح والأبصار. تتفجر ينابيع الحكمة في رياضه وبستانه، وتتفتح أبواب الجنة من غرفه وإيوانه، وتقتاد غر السوابق من العلوم والحقائق، في طلق ميدانه، ويصعد الكلم الطيب والعمل الصالح إلى الله من نواحي أركانه، وتوفر الأجور لغاشيته محتسبة عند الله في ديوانه، راجحة في ميزانه.
ثم أختار لها من أئمة المذاهب الأربعة أعياناً، ومن شيوخ الحقائق الصوفية فرساناً، تصفح لهم أهل مملكته إنساناً، وأشاد بقدرهم عناية وإحساناً، ودفعهم إلى وظائفه توسعاً في مذاهب الخير وافتناناً. وعهد إليهم برياضة المريدين، وإفادة المستفيدين، احتساباً لله وقرباناً، وتقيلا لمذاهب الملوك من قومه وإستناناً، ثم نظمني معهم تطولاً وامتناناً، ونعمة عظمت موقعاً وجلت شأناً، وأنا وإن كنت لقصور البضاعة، متأخراً عن الجماعة، ولقعود الهمة، عيالاً على هؤلاء الأئمة، فسمحهم يغطي ويلحق، وبمواهب العفو والتجاوز يمنح ويتحف. وإنما هي رحمة
من مولانا السلطان - أيده الله - خصت كما عمت، ووسمت أغفال النكرة والإهمال وسمت، وكملت بها مواهب عطفه وجبره وتمت، وقد ينتظم المر مع المرجان، وتلتبس العصائب بالتيجان، وتراض المسومة العراب على مسابقة الهجان، والكل في نظر مولانا السلطان وتصريفه، والأهلية بتأهيله والمعرفة بتعريفه، وقوام الحياة والآمال بلطائف إحسانه وصنوفه، والله يوزعنا شكر معروفه، ويوفقنا للوفاء بشرطه في هذا الوقف وتكليفه، ويحمي حماه من غير الدهر وصروفه، ويفيء على ممالك الإسلام ظلال أعلامه ورماحه وسيوفه، ويريه قرة العين في نفسه وبنيه، وحاشييه وذويه، وخاصته ولفيفه، بمن الله وفضله.