سلطان المسلمين أبو سعيد. صدق الله فيما يقتفي من الله ظنونه، وجعل النصر ظهيره، كما جعل السعد قرينه، والعز خدينه، وكان وليه على القيام بأمور المسلمين ومعينه، وبلغ الأمة في اتصال أيامه، ودوام سلطانه، ما يرجونه من الله ويؤملونه. لما قلده الله هذا الأمر الذي استوى له على كرسي الملك، وانتظمت عقود الدول في لبات الأيام، وكانت دولته واسطة السلك وجمع له الدين بولاية الحرمين، والدنيا بسلطان الترك. وأجرى له أنهار مصر من الماء والمال، فكان مجازه فيها بالعدل في الأخذ والترك. وجمع عليه قلوب العباد. فشهد سرها بمحبه الله له شهادة خالصة من الريب، بريئة من الشك. حتى استولى من العز والملك على المقام الذي رضيه وحمده. ثم تاقت نفسه إلى ما عند الله،
فصرف قصده إليه واعتمده، وسارع إلى فعل الخيرات بنفس مطمئنة، لا يسأل عليها أجراً ولا يكدرها بالمنة، وأحسن رعاية الدين والملك تشهد بها الإنس والجنة، لا، بل النسم والأجنة. ثم آوى الخلق إلى عدله تصديقاً بأن الله يؤوه يوم القيامة إلى ظلاله المستجنة، ونافس في اتخاذ المدارس والربط لتعليم الكتاب والسنة، وبناء المساجد المقدسة يبني له بها الله البيوت في الجنة، والله لا يضيع عمل عامل فيما أظهره أو أكنه.
وإن ما أنتجته قرائح همته وعنايته، وأطلعته آفاق عدله وهدايته، ووضحت شواهده على بعد مداه في الفخر وغايته، ونجح مقاصده في الدين وسعايته، هذا المصنع الشريف، والهيكل السامي المنيف، الذي راق الكواكب حسنه وظرفه، وأعجز الهمم البشرية ترتيبه ورصفه، لا! بل الكلم السحرية تمثيله ووصفه وشمخ بمطاولة السحب ومناولة الشهب مارنه العزيز وأنفه، وازدهى بلبوس السعادة والقبول من الله عطفه، إن فاخر بلاط الوليد، كان له الفخار، أو باهى القصر والإيوان، شهد له المحراب والمنار، أو ناظر صنعاء وغمدان، قامت بحجته الآثار. إنما هو بهو ملؤه دين وإسلام، وقصر عليه تحية وسلام، وفضاء رباني ينشأ في جوه للرحمة