رحله ابن خلدون (صفحة 197)

على الشافعية هنالك، وتوفي مدرسها حينئذ، فولاني السلطان تدريسها، وأعقبه بولاية قضاء المالكية سنة ست وثمانين، كما ذكرت ذلك من قبل، وحضرني يوم جلوسي للتدريس فيها جماعة من أكابر الأمراء تنويها بذكري، وعناية من السلطان ومنهم بجانبي، وخطبت يوم جلوسي في ذلك الحفل بخطبة ألممت فيها بذكر القوم بما يناسبهم، ويوفي حقهم ووصفت المقام، وكان نصها:

الحمد لله الذي بدأ بالنعم قبل سؤالها، ووفق من هداه للشكر على منالها، وجعل جزاء المحسنين في محبته، ففازوا بعظيم نوالها. وعلم الإنسان الأسماء والبيان، وما لم يعلم من أمثالها، وميره بالعقل الذي فضله على أصناف الموجودات وأجيالها، وهداه لقبول أمانة التكليف، وحمل أثقالها. وخلق الجن والإنس للعبادة، ففاز منهم بالسعادة من جد في امتثالها، ويسر كلاً لما خلق له، من هداية نفسه أو إضلالها، وفرغ ربك من كل خلقها وخلقها وأرزاقها وآجالها. والصلاة على سيدنا ومولانا محمد نكتة الأكوان وجمالها، والحجة البالغة لله علي كمالها، الذي رقاه في أطوار الاصطفاء، وآدم بين الطين والماء، فجاء خاتم أنبيائها وأرسالها، ونسخ الملل بشريعته البيضاء فتميز حرامها من حلالها، ورضي لنا الإسلام ديناً، فأتم علينا النعمة بإكمالها.

والرضى عن آله وأصحابه غيوث رحمته المنسجمة وطلالها، وليوث ملاحمه المشتهرة وأبطالها. وخير أمة أخرجت للناس، في توسطها واعتدالها، وظهور الهداية والاستقامة في أحوالها، صفى الله عليه وعليهم صلاة تتصل الخيرات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015