رحله ابن خلدون (صفحة 191)

المسافة، والذي يطرق لي سوء الظن بذلك، ما صدر في مقابله منكم. فإني على علم من كرم قصدكم، وحسن عهدكم.

ومن حين استقل نيركم بذلك بالأفق الشرقي، لم يصلني منكم كتاب، مع علمي بضياع اثنين منها بهذا الأفق الغربي. انتهى.

وفي الكتاب إشارة إلى أنه بعث قصيدة في مدح الملك الظاهر صاحب مصر، ويطلب مني رفعها إلى السلطان، وعرضها عليه بحسب الإمكان، وهي على روي

الهمزة، ومطلعها:

أمدامع منهلة أم لؤلؤ ... لما استهل العارض المتلألئ

وبعثها في طي الكتاب، واعتذر بأنه استناب في نسخها، فكتبت همزة رويها ألفاً، قال وحقها أن تكتب بالواو، لأنها تبدل بالواو، وتسهل بين الهمزة والواو، وحرف الإطلاق أيضا يسوقها واواً. هذا مقتضى الصناعة، وإن قال بعض الشيوخ تكتب ألفاً على كل حال، على لغة من لا يسهل، لكنه ليس بشيء.

وأذن لي في نسخ القصيدة المذكورة بالخط المشرقي لتسهل قراءتها عليهم ففعلت ذلك، ورفعت النسخة والأصل للسلطان، وقرأها كاتب سره عليه، ولم يرجع إلي منهما شيء، ولم أستجز أن أنسخها قبل رفعها إلى السلطان، فضاعت من يدي.

وكان في الكتاب فصل عرفني فيه بشأن الوزير مسعود بن رحو المستبد بأمر المغرب لذلك العهد، وما جاء به من الانتقاض عليهم، والكفران لصنيعهم، يقول فيه: كان مسعود بن رحو الذي أقام بالأندلس عشرين عاماً يتبنك النعيم، ويقود الدنيا، ويتخير العيش والجاه، قد أجيز صحبة ولد أبي عنان، كما تعرفتم من نسخة كتاب أنشأته بجبل الفتح لأهل الحضرة، فاستولى على المملكة، وحصل على الدنيا، وانفرد برياسة دار المغرب، لضعف السلطان رحمه الله، ولم يكن إلا أن كفرت الحقوق، وحنظلت نخلته السحوق، وشف على سواد جلدته العقوق،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015